نواصل مع المفكر العربى الكبير عباس محمود العقاد (1889- 1964) قراءة مشروعه الفكرى الذى كان للتاريخ الإسلامى نصيب كبير منه، واليوم نتوقف مع كتابه "الحسين بن على أبو شهداء".يقول الكتاب عن تاريخ الصراع بين الإمام الحسين ويزيد بن معاوية تحت عنوان "أسباب التنافس والخصُومة":
قبل أن يقف الحسين ويزيد متناجزين، كانت الحوادث قد جمعت لهما أسباب التنافس والخصومة منذ أجيال، وكان هذا التنافس بينهما يرجع إلى كل سبب يوجب النفرة بين رجلين: من العصبية، إلى الترات الموروثة، إلى السياسة، إلى العاطفة الشخصية، إلى اختلاف الخليقة والنشأة والتفكير.
تنافس هاشم وأمية على الزعامة قبل أن يولد معاوية، فخرج أمية ناقما إلى الشام وبقى هاشم منفردًا بزعامة بنى عبد مناف فى مكة، فكان هذا أول انقسام وتقسيم بين الأمويين والهاشميين: هؤلاء يعتصمون بالشام، وهؤلاء يعتصمون بالحجاز.
ثم علا نجم "أبى سفيان بن حرب بن أمية" فى الحجاز، فأصبحت له زعامة مرموقة إلى جانب الزعامة الهاشمية، فلما ظهرت الدعوة المحمدية أخذته الغيرة على زعامته، فكان فى طليعة المحاربين للدعوة الجديدة، وندرت غزوة من الغزوات لم تكن فيها لأبى سفيان إصبع ظاهرة فى تأليب القبائل وجمع الأموال، وشاءت المصادفات زمنًا من الأزمان أن يظل وحده على زعامة قريش فى حربها للنبى ﷺ، فمات الوليد بن المغيرة زعيم مخزوم، ودان زعماء تيم وبنى عدى وغيرهم من البطون القرشية الصغيرة بالإسلام، وبقى أبو سفيان وحده على رأس الزعامة الجاهلية والزعامة الأموية فى منازلة النبى ومن معه من المهاجرين والأنصار، وبلغ من تغلغل العداء فى هذه الأسرة للنبى ﷺ أن أبا لهب عمه كان أوحد أعمامه فى الكيد له والتأليب عليه، وإنما جاءه هذا من بنائه بأم جميل بنت حرب، أخت أبى سفيان التى وصفها القرآن بأنها "حمالة الحطب" كناية عن السعى فى الشر وتأريث نار البغضاء.
ثم فتحت مكة، فوقف أبو سفيان ينظر إلى جيش المسلمين، ويقول للعباس بن عبد المطلب: "والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلك ابن أخيك اليوم عظيمًا"، فلما قال العباس: "إنها النبوة"، قال: "نعم إذن!"
وقد أسلم أبو سفيان وابنه معاوية عند فتح مكة، وكان إسلام بيته أعسر إسلام عرف بعد فتحها، فكانت زوجه هند بنت عتبة تصيح فى القوم بعد إسلامه: "اقتلوا الخبيث الدنس الذى لا خير فيه، قبح من طليعة قوم، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم!"