"الحقيقة التى يرفض كثير من الناس تقبلها، هى أن العقلانية لا تتسق مع الدين النصوصى، ويقول محمد بن إدريس الشافعى ما معناه "لو أن الدين بالعقل، لكان المسح أسفل الخف أولى من أعلاه" وهذا صحيح فى العبادات التى لا تحتاج إلى تجديد، لأنها تقف عند حدود الفرد دون أن تتعداه إلى المجتمع، لكن الأحكام التى يتعامل بها الناس فى حياتهم اليومية مع السلطة، والتى تسمى خطأ، بالشريعة، بحاجة دون أدنى شك للتجديد حتى لا ينفصل المسلم عن الحياة المحيطة به، وليس عن الواقع الذى يعيش فيه فقط"، هذه هى الرسالة التى يحملها المفكر أحمد البغدادى فى كتابه (تجديد الفكر الدينى.. دعوة لاستخدام العقل).
ويرى "البغدادى" أن معظم المثقفين يعلنون خوفا من الاتهام بالردة أو التكفير ، أن الدين شىء، والفكر الدينى شىء آخر ! الدين هو الوحى المنزل الذى نقرأه فى القرآن الكريم، وما تجسده الأحاديث النبوية الصحيحة، والفكر الدينى هو ما يصدر عن الفقهاء ورجال الدين من تفسير وتأويل لهذه النصوص الدينية، وبالتالى لا يحمل فكرهم هذا صفة القداسة، وبالتالى فهو، كفكر قابل للأخذ والرد، والرفض والقبول.
وهذا كلام، باعتقادى، هروبا من المواجهة وبالتالى لا يحل مشكلة التخلف الفكرى الذى يعصف بالمسلمين، ولا يقربهم مليمترا واحدا من طريق الحداثة.
ويرى "البغدادى" أن الحقيقة التى لا بد من الاعتراف بها هى أن الفكر الدينى، أى فكر كان، لا بد وأن يستند إلى النص الدينى بطريقة أو بأخرى، وأنه لا محيص من الاعتراف بأن رجل الدين، بغض النظر عن كيفية ظهوره، هو المصدر الوحيد لتفسير هذا النص، وأنه لا أحد يجرؤ على أن يحل محله، بل إن العامة من الناس لا يصدقون سواه حين الحديث فى الشأن الدينى، ولا أحد يملك الجرأة على مواجهته حتى لو ابتدع من دماغ فارغ من العلم والمنطق، إذن يمكن القول إن الفكر الدينى، لا ينفصل عن النص الدينى، ويترتب على ذلك أن لا فكاك من التعرض لهذا النص حين البحث فى موضوع تجديد الفكر الدينى، لا ينفصل عن النص الدينى، خاصة أن تعدد ما يسمى بمصادر التشريع الإسلامى من قرآن وسنة نبوية وإجماع وقياس يتيح للفقيه مجالا خصبا للتوسع فى الحديث الدينى دون الحاجة لإثبات ما يقوله.
إذن يمكن القول بشكل قاطع إن أى سعى جاد للبحث فى التجديد الدينى فى الفكر الإسلامى، يقتضى بل ويلزم النظر فى النصوص الدينية، قرآنا وحديثا نبويا والإجماع والقياس دون استثناء لأى مصدر. وذلك دون تجاهل لحقيقة أن ذلك لا يمس بنية النص القرآنى أو الحديث الصحيح باعتباره خارج نطاق البحث، وما يلزمنا فى هذا المجال إلغاء القاعدة الفقهية المقررة بأنه "لا اجتهاد فى موضع النص" إلى الأخذ بقاعدة "الاجتهاد فى النص"، وكذلك إلغاء قاعدة "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب" إلى الأخذ بقاعدة "العبرة بخصوص السبب أولا وأخيرا". بدون هاتين القاعدتين لا مجال للحديث ، فضلا عن البحث فى الموضوع.