تمر اليوم ذكرى تولى محمد سعيد باشا، حكم مصر، بعد وفاة عباس حلمى الأول فى سنة 1854، وسعيد باشا له صورة شعبية أقل ما يقال عنها إنه لا علاقة له بالشعب، وأنه سبب السخرة التى عانى منها الشعب المصرى فى حفر قناة السويس بعدما منح الامتياز إلى صديقه "دليسيبس".
ومع ذلك نجد البعض لهم صورة مختلفة منهم الكاتب الشهير جوجى زيدان، فى كتابه "تراجم مشاهير الشرق فى القرن التاسع عشر" يقول عنه:
هو ابن محمد علي باشا، ولد فى الإسكندرية عام 1822 ميلادية وكان محبا للعلم بارعا فيه وعلى الخصوص فى اللغات الشرقية والعلوم الرياضية وسلك الأبحر والرسم، وكان يتكلم الفرنساوية جيدا، تولى زمام الأحكام عام 1854 بعد وفاة عباس باشا ابن أخيه، وكان محبا للعدل والفضيلة، وكان مهتما بالإصلاح الإداري، ومن أعماله المبرورة إتمام الخطوط الحديدة والتلغرافية بين إسكندرية ومصر، والشروع فى مد غيرها، وتنظيم لوائح الأطيان واسترجاعها من المتعهدين إلى أربابها، وقد عدل الضرائب فجعلها عادلة ورفع كثيرا من الضرائب التي كان يتظلم منها الرعايا، ونزح ترعة المحمودية، وفى أيامه تمت معاهدة (ترعة السويس) وقد نشطها تنشيطا كبيرا، وأقام على طرفها الشمالي مدينة حديثة دعيت باسمه وهى (بورت سعيد) وغرس الأشجار فى طريق المنشية.
وفى السنة الثانية من توليه على مصر وضع الحجر لأساس القلعة السعيدية عند رأس الدلتا فيما بين القناطر الخيرية وتداعت أركانها الآن، وقد عثرنا على قطعة فضية مستديرة قطرها قيراطان ونصف على أحد وجهيها رسم النيل عند تفرعه والقناطر الخيرية يليها على الجانبين برجا القناطر وبينهما عند رأس الدلتا القلعة السعيدية، وكل ذلك من أجمل نا يكون فى الرسم، وعلى الوجه الآخر كتابة تركية تفيد "أن المغفور له سعيد باشا بن محمد على باشا المشهور قد وضع أساس القلعة السعيدية وما يليها مت الاستحكامات بيده فى يوم 23 جمادى الآخرة فى علم 1271 هجرية لأجل حماية الديار المصرية " نشرنا نصها التركى فى كتابنا تاريخ مصر الحديث.
وفى أيامه ثارت مدينة الفيوم على الحكومة، فبعث إليها وأخمد الثورة فهدأت الأحوال، ولما اختتن نجله طوسون أطلق كل من كان في السجون من المجرمين حتى القاتلين، وفى أيامه أعطيت السودان بعض الامتيازات، وتولى عليها البرنس حليم باشا حكمدارا، وفى عام 1276 هجرية أو 1859 توجه لزيارة سوريا فمكث في بيروت ثلاثة أيام ونزل ضيف كريما على وجهاء المدينة، وكان فى أثناء مروره فى الطرقات ينصر الذهب على الناس.