واحدة من الروايات التى جسدت الوضع داخل المجتمع السودانى، وتناولت بدقة ما يدور بين أهل الجنوب فى ظل المأساة المتكررة، هى رواية الأديب المصرى من أصول سودانية طارق الطيب بعنوان "بيت النخيل" الصادرة عام 2006.
وتقول الرواية كان شهريار عصره وأوانه قد غلبته حكايات شهرزاد فإن شهريار هذا العصر والأوان ذو نـزعة مادية عنصرية يقتل فى الإنسان روحه وينـزع عنه إنسانيته ويجرده من كرامته.
وجاءت الرواية معبرة عن الاغتراب الموضوع الأكبر للأدب، ومحاولة قهر الاغتراب عن طريق بطل الرواية الذى سافر إلى النمسا وهو لا يملك فى دنياه إلا كتاب "ألف ليلة وليلة" وأغنية أسمهان "ليالى الأنس فى فيينا" وبعض ذكرياته الأليمة، لكنه يملك زادًا وفيرًا من مَلَكَة القص.
"بيت النخيل" تروى حكاية البلاد قبل العباد، هى تتبع سيرة "حمزة يوسف ود نيلاوى" فى حله وترحاله، فى الانقسام الذى يصيب الأرواح لأنه أصاب البلاد، كم من شخص ظهر فى الرواية واختفى والراوى لا يعرف أين ذهب، حبه الأول "ليلى" رحلت ولا يعرف مكانها، ووالده "يوسف ود نيلاوى" اختفى ولا تخبرنا الرواية عن مكانه، لكنها تتعامل معه بحذر مَن هجر أهله، و"ود النار" قرية كاملة أصابها الجدب فأصبحت مثل بلاد الله التى تحكى عنها الكتب المقدسة "كأنما لم يسكنها أحد من قبل"، فكيف يعيش الإنسان وكل ماضيه اختفى تماما مخلفًا وراءه ذكريات مؤلمة وثلاثة حجارة هى شواهد قبور أحبائه، وقطة "حكيمة" تشبهه فى تشرده وضياعه.
الرواية هى حكاية السودان بحروبه الطاحنة وتشرد أهله دون سبب وشخصياته المريرة "الشيخ الفكى والحوت" وحكاية مصر بتوترها الذى تشهده بين التفاصيل المكتوبة فى الرواية، وحكاية فيينا ببرودتها القاتلة وظلامها الكثيف وعنصريتها أحيانا.. ومن ناحية أخرى هى حكاية السودان بأهلها الطيبين وتصوفهم القوى وحزنهم الشفيف وشخصياته الطيبة "الخطاف، حمد النيل، الشريف"، وحكاية مصر بدفئها وود أهلها وناسها "عم ركابى، وامرأة الحسين، وهاشم" وحكاية فيينا ببيت نخيلها وساندرا.
وتظل شخصية "ساندرا" الأهم فى الرواية، مع أنه يساورك الشك أحيانا، بأنها شخصية اختلقها "حمزة" من خياله، حتى يستطيع أن يحتمل هذه البلاد الباردة، لأنها جاءت كما يتمنى وكما يريد وعلى حد قوله عندما سألته عن الحب فى فيينا قال "كنت أنتظرك"، ربما تشعر أحيانا بأن "ساندرا" متمناة خرجت من رأس "حمزة" الذى تكاد تقتله الوحشة والبرد.