منذ أن عرف الإنسان السياسة وأنظمة الحكم كانت هناك أشكال متنوعة للمعارضة، بعضها رأى فى الطرق السلمية وسيلة لتحقيق هدفه، وبعضها رأى أن المعارضة المسلحة والعنف هما الحل لمواجهة السلطان، وهذا النوع من المعارضة مختلف فى رؤيته وفلسفته لاستخدام العنف.
وجزء مهم من الاختلاف كان حول الهدف، فبعض تلك الجماعات كان هدفها واضحا وصريحا بمحاولة الانفصال أو الانقضاض على مقاليد الحكم، لكن فى وقت نفسه هناك جماعات ظهرت معارضة من أجل المعارضة، وبث الخوف من خلال الخروج عن طاعة السلطة الحاكمة، والوصول إلى نظرية حياة وسلوك، تصور المجتمع بدون سلطة.
ولعل من أكبر تلك الجماعات التى أرادت العنف والخروج عن النظام السلطوى هى الأناركية أو "اللاسلطوية" وهى فلسفة سياسية قامت على رفض التسلسلات الهرمية التى يرونها غير عادلة، أو بدلًا من ذلك تعارض السلطة فى تسيير العلاقات الإنسانية، وكان لها عدة عمليات اغتيال منها الرئيس الأمريكى ماكنلى (1901)، على يد ليون كولجوش الأناركى، بالإضافة إلى محاولة فاشلة لاغتيال القيصر الألمانى فيلهلم الثانى (1901)، وتعتبر حادثة إلقاء قنابل فى شيكاغو (1866) على الشرطة عقب تظاهرات عمالية من أولى عمليات الإرهاب الأناركى البارزة.
وفى التقرير التالى نرصد عددا من جماعات العنف السياسى عبر التاريخ، التى مارست الإرهاب، وكانت معارضتها من أجل المعارضة، وليست بالضرورة الوصول إلى السلطة، ومنها:
سيكارى
حركة دينية سياسية أنشأها يهوذا الجليلى فى الفترة بين عامى 66 و 70 بعد الميلاد، أطلق عليها اسم سيكارى وهم يمثلون الاتجاه الأصولى السياسى لليهود، والتى رفضت وقاومت السيطرة والوجود الرومانى فى سوريا، واعتمدت الأساليب العنيفة فى تصفية النبلاء والإقطاعيين من الرومان واليهود المتعاونين معهم.
وبحسب كتاب "الإعلام ودوره فى معالجة ظاهرة الإرهاب والموقف من المقاومة: إعلام المقاومة" تأليف عامر وهاب خلف العانى، فأنها تعد أول حركة إرهابية فى التاريخ، وهى تمثل حركة جديدة فى انتقال الإرهاب من ممارسة فردية يقوم بها أفراد وأهداف معينة إلى ظاهرة تمارس من قبل حركات منظمة، وهى تتكون من اليهود الذين وفدوا إلى فلسطين فى نهاية القرن الأول الميلادى، واستخدمت أساليب تبث الرعب بين صفوف الناس من خلال عمليات تنفذ فى الأماكن المتزدحمة، حيث كانوا يضربون عدوهم بسيوف تسمى "سيكا" والتى استمدوا اسم منظمتهم منها، وتخبأ تحت العباءة لتنفيذ العمل فى وضح النهار النهار.
الحشاشون
هى طائفة إسماعيلية نزارية، انفصلت عن الفاطميين فى أواخر القرن الخامس هجري/الحادى عشر ميلادى لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجرى الموافق 11 و13 ميلادى، أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذى اتخذ من قلعة آلموت فى فارس مركزاً لنشر دعوته.
وهى حركة شهيرة فى اعتماد الاغتيالات فى صراعها مع السلاجقة والزنكيين والأيوبيين والخوارزميين، وكانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التى يقوم بها "فدائيون" لا يأبهون بالموت فى سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب فى قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً فى ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقى نظام الملك والخليفة العباسى المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.
نارودنايا فوليا
وتعنى بالعربية الإرادة الشعبية، هى منظمة روسية سياسية ثورية لاقت شهرة كبيرة لاغتيالها للقيصر ألكسندر الثانى وبسبب سريتها وقوتها مقارنة بالمنظمات التحررية الأخرى فى الإمبراطورية الروسية، وتعد جماعة أناركية عنيفة.
وفقا لكتاب "نتائج الحركة الثورية فى روسيا أثناء فترة 40 عاماً (1862-1902)" لم يكن غرض الأعضاء الحكم بل الوصول إلى سياسية إصلاحية، ويرى البعض أنهم كانوا يهدفون إلى إلغاء الجيش النظامى وتحوله إلى ميلشيات مسلحة، وقد طلب أعضاء الحركة الإرهابية من القيصر أن يشاركوا فى مناقشة مفتوحة عن المستقبل السياسى لروسيا ويقدموا إصلاحات شاملة فى الدولة، ووافقوا فى مقابل ذلك على التوقف عن نشاطهم النضالى وتكريس أنفسهم للعمل على رخاء الشعب.
كانت اللجنة التنفيذية مسؤولة عن شبكة من المنظمات المحلية والخاصة (التى تتألف من العمال والطلاب وأفراد من الجيش). فى 1879-1883 ، كان لنارودنايا فوليا ما يقرب فرع فى خمسين مدينة، ولا سيما فى أوكرانيا ومنطقة الفولغا، كان نارودنايا فوليا بضعة آلاف من الأتباع.
كو كلوكس كلان
اسم يطلق على عدد من المنظمات الأخوية فى الولايات المتحدة الأمريكية منها القديم ومنها من لا يزال يعمل حتى اليوم، يرجع أصل التسمية إلى كلمة كوكلوس (باليونانية: Kuklos) وتعنى الدائرة، والتى تعد من أشهر الأمثلة على الإرهاب اليميني. ظهرت الموجة الأولى منها بعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية (1865). وقد آمن أتباعها بتفوق العرق الأبيض وسيادته على جميع الأعراق الأخرى.
تؤمن هذه المنظمات بالتفوق الأبيض ومعاداة السامية والعنصرية ومعاداة الكاثوليكية، كراهية المثلية وأخيرا بالأهلانية. تعمد هذه المنظمات عموما لاستخدام العنف والإرهاب وممارسات تعذيبية كالحرق على الصليب لاضطهاد من يكرهونهم مثل الأمريكيين الأفارقة وغيرهم.
نددت جميع الكنائس المسيحية تقريبًا رسميًا بأفعال كو كلوكس كلان. كما وترفض جميع الطوائف البروتستانتية الكو كلوكس كلان أو الإقرار بها
حزب الطاشناق
حزب سياسى اشتراكى ديمقراطى أسسه كريستابور ميكائيليان وستيبان زوريان وسيمون زافاريان سنة 1890 فى تبليسى للدفاع عن الشعب الارمنى المضطهد من قبل السلطات العثمانية، على أثر مجازر قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، تمكن العديد من الأرمن الناجين من الهجرة والتوجه إلى دول عربية منها لبنان وسوريا، وكان يهدف لتطبيق نظام اللامركزية الإدارية لتقرير المصير للأقليات.
تأسس الحزب عام 1890 باسم"اتحاد الثوريين الأرمن"، وكان منظمة سياسية تشكلت إثر اتحاد المجاميع الثورية التقدمية الأرمنية، وتسميته باسم "الاتحاد الثورى الأرمني" فى الاجتماع العام الأول للحزب عام 1892. شارك الحزب منذ أيامه الأولى بتنظيم المقاومة الأرمنية ضد المذابح التى كانت تحدث ضد الأرمن بين سنتى 1894-1896 من قبل الحكومة العثمانية فانتشرت شعبية الحزب بسرعة فى المناطق ذات الكثافة الأرمنية فى الدولة العثمانية وروسيا القيصرية.