وصل العلماء إلى الفضاء الخارجى، وفسرت الدراسات الفلكية القمر والنجوم وكواكب المجموعة الشمسية، وفك كثيرا من أسرارها، لكن يبدو كوكبا واحدا فقط عصيا على على فك طلاسمه والوصول إلى سر قوته وروعته وعظمته وسطوته على القلوب رغم مرور سنوات طويله عليه، هو كوكب الشرق سيدة الغناء العربى أم كلثوم.
أم كلثوم، صوت السماء الذى صدح فى القاهرة، ووصل إلى أقصى العالم، رتلت موسيقاها يقلوب المستمعين، وجعلتهم يستمعون إلى أغانيها وكأنها نصوصا مقدسة، كانت ولا تزال وستظل، أيقونة الغناء الأولى فى مصر والعالم أجمع، ملكة الغناء ورمز الخلود الفنى.
مؤخرا نجح عرب حيفا فى إطلاق اسم أم كلثوم على شارع فى حيفا، بعدما قرّرت لجنة التسميات فى البلدية حيفا، التى تترأسها عينات كاليش ذلك، انطلاقا من أن أم كلثوم "تعتبر من عظماء الغناء العربى وهى اسم مرادف للموسيقى العربية عموما والمصرية خصوصاً، لذا رأت اللجنة أن تطلق اسمها على شارع فى حيفا، كمدينة مختلطة تمثّل نموذجًا للحياة المشتركة بين اليهود والعرب" على حد قولهم.
وبعد قرار البلدية، بدأ نشطاء يمينيون فى حيفا حملة ضد التسمية، ونشرت صحيفة "كول بو" صورة أم كلثوم بحجم كبير مع عنوان بالخط العريض على صفحتها الأولى "أصبح عندى الآن بندقية إلى فلسطين، خذونى معكم" بالعبرية.
ورغم حالة الغزل الرسمية من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلى، من حين إلى آخر، وقيامها بالسطو على تراث كوكب الشرق بحجة التواصل الموسيقى بين دول الشرق، وأن أم كلثوم هى ملكا للإنسانية، إلا أن على المستوى الشعبى خاصة لدى المتطرفين اليهود هناك كراهية لصاحبة العصمة كما لقبها الملك فاروق آخر ملوك مصر من أسرة محمد على.
أم كلثوم المرأة الحديدية، والساحرة بصوتها، كانت تحمل بداخلها كراهية لإسرائيل وعداوة ظلت معها حتى صعدت روحها الطاهرة إلى ربها فى الثالث من فبراير عام 1973.
ومن المزاعم الإسرائيلية المضحكة، هى ادعاء أن كوب الشرق زارت إسرائيل، رغم أن تلك الزيارة تمت عام 1931، أى قبل إعلان إسرائيل دولتها المزعومة بنحو 17 عاماً، ما يعنى أن الزيارة كانت لفلسطين، وبالفعل ونشرت صحف فلسطينية فى فترة الانتداب إعلاناً احتفالياً بعنوان "أعياد الطرب والسرور فى مدن فلسطين العامرة بتشريف المطربة الفنانة بلبلة الشرق والأقطار العربية"، لكن مواقع إسرائيلية تحاول إثبات زيارتها للدولة العبرية، وأن الإسرائيليين هم من أطلقوا عليها لقب «كوكب الشرق».
الكاتب سليم نسيب، دحض هذه الأكاذيب، فى كتابه "أم كلثوم" الذى أكد فيه أنها تبرّعت بربع عائدات إحدى حفلاتها فى حيفا للنضال ضد الاحتلال البريطانى والهجرة اليهودية إلى فلسطين، واستُقبلت بحفاوة كبيرة ومُنحت لقباً جديداً هو كوكب الشرق، لافتاً إلى أن هذا اللقب انطلق من مقهى «الشرق» فى مدينة حيفا، حيث صرخت إحدى الحاضرات قائلة: "أم كلثوم أنت كوكب الشرق"، بعدما غنت الراحلة «أفديه إن حفظ الهوى».
مواقف أم كلثوم للمساعدة فى المجهود الحربى كبيرة، ففى 29 أكتوبر عام 1956 غنت أم كلثوم نشيد صلاح جاهين (والله زمان ياسلاحي) الذى أصبح نشيدا قوميا. ذلك النشيد الذى أتى به لها كمال الطويل ذات ليلة حدثت فيها غارة وحفظت النشيد على ضوء الشموع.. وحين قررت أن تسجله فى محطة الإذاعة بشارع الشريفين يعترض أغلب الموسيقين خوفا من إعلان إسرائيل أنها ستضرب محطة الإذاعة فقررت أم كلثوم أن تسجل النشيد.
وكانت أم كلثوم قد رفعت بعد هزيمة مصر فى 1967 شعار «الفن من أجل المجهود الحربي»، وقالت فى تصريح شهير لها فى ذاك الوقت «لن يغفل لى جفن وشعب مصر يشعر بالهزيمة»، وكان من أشهر أغنياتها فى تلك الفترة «إنّا فدائيون» و«حق بلادك».
كان أعلى إيراد لحفلات أم كلثوم العادية لا يتجاوز 18 ألف جنيه لكن ومع أول حفلة لصالح المجهود الحربى فى مدينة دمنهور جمعت 80 ألف جنيه وقدمها محافظ البحيرة وقتها وجيه أباظة للجمهور على أنها «أم كلثوم المناضلة التى تقاتل بأمضى سلاح وهو سلاح الفن، وفى الإسكندرية بلغ إيراد حفلها إضافة إلى التبرعات 100 ألف جنيه و40 كيلوجراما من الحلى بقيمة 82 ألف دولار.
وفى حفلة المنصورة حققت 125 ألف جنيه وفى طنطا 284 ألف جنيه، لم تكتف بحفلات الداخل فى مصر فغنت فى حفلة باريس الشهيرة على مسرح الأوليمبيك وقدمها الإذاعى الكبير الراحل جلال معوض وفى حفلتها الثانية فى باريس قال الزعيم الفرنسى شارل ديجول بعد الاستماع إليها «لمست معها أحاسيسى وأحاسيس الفرنسيين جميعاً». واستطاعت كوكب الشرق تحقيق إيرادات من حفلات باريس 212 ألف جنيه استرلينى لصالح المجهود الحربى، زارت أم كلثوم الكويت وأبوظبى ولبنان وباكستان وتونس بحضور بورقيبة وفى المغرب بحضور الملك الحسن الثانى وفى الخرطوم بحضور كل القيادات السودانية وفى البحرين والعراق وليبيا.