نواصل مع المفكر العربى الكبير عباس محمود العقاد (1889- 1964) قراءة مشروعه الفكرى وذلك من خلال كتبه التى أثرت المكتبة العربية وعملت على تثقيف المجتمع المصرى والعربى ولا تزال، ونتوقف اليوم مع كتابه "الإمام محمد عبده.. عبقرى الإصلاح والتعليم".
يقول عباس العقاد فى الكتاب:
رأيت الشيخ محمد عبده مرات معدودة، ورأيته مرات لا تُحصَى فى صوره الشمسية التى لا تلتبس إحداها ملامح صورة أخرى، فكانت النظرة الأولى كالنظرة الأخيرة إلى تلك الملامح فيما تنمُّ عليه وتشير إليه.
قوة وطيبة متفقتان لا يبين لك أنهما تنازعتا يومًا أو تتنازعان، فهو قوى لا ينازع طيبته نية من نياتها، وهو طيب لا ينازع قوته دافعًا من دوافعها، وهو أقرب الناس سمة بما يرتسم فى أخلادنا من سمات النبوة، وهى فى طلعتها الإنسانية بشر مثلنا، وإن لم نكن نحن بشرًا مثلها فيما تتلقاه من وحى الله.
قال عنه تلميذه وصديقه وأقرب الناس إليه فى عامة أمره وخاصته، صاحب المنار السيد محمد رشيد رضا تغمدهما الله برضوانه: "إنه سليم الفطرة، قدسى الروح، كبير النفس، وصادف تربية صوفية نقية زهدته فى الشهوات والجاه الدنيوى وأعَدَّتْه لوراثة هداية النبوة، فكان زيته فى زجاجة نفسه صافيًا يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار."
وافتتح ترجمته بعد وفاته بنحو عشرين سنة بقوله عنه: "إن هذا الرجل أكمل مَنْ عرفت من البشر دينًا وأدبًا ونفسًا وعقلًا وخلقًا وعملًا وصدقًا وإخلاصًا، وإن من مناقبه ما ليس له فيه ند ولا ضريب، وإنه لهو السرى الأحوذى العبقري."
وقال قبل ذلك: "إننى وايم الحق لم أطلع له على عمل إلا الحقيق بلقب المثل الأعلى من ورثة الأنبياء."
وقال قبل ذلك: «إننى وايم الحق لم أطلع له على عمل ينافى العفة والنزاهة، ولا الورع والشرف، ولا هفوة تدل على كامن حقد أو حسد، فهو أكمل مَن عرفت من البشر، ومَن اطَّلَع على دخائل كثير من المشهوروين بالعلم والتقوى، أو الحكمة والفلسفة أو تاريخهم الصحيح، رأى كثيرًا من العجر والبجر، فما قولكم فى زعماء السياسة وعشاق الرئاسة".