يحرم الإسلام الحرق بالنار، هذا ما تؤكده الكتب الدينية والشرائع، لكن رجال السياسة كان لهم رأى آخر فى التعامل بين الخصوم، وسنتوقف اليوم عند قصة ابن الزيات الذى عاش بين عامى (173 – 233) فى العصر العباسى.
كان ابن الزيات وزيرًا لثلاثة خلفاء عباسيين هم: "المعتصم بالله" وولداه "الواثق بالله" و"المتوكل على الله"، زابن الزيات اسمه أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة.
الغريب أن ابن الزيات كان فى بدايته أديبا مهتما بالاطلاع والمعرفة حتى صار من أهل الأدب، لدرجة أن أبا عثمان المازنى، لما قدم بغداد فى أيام المعتصم كان أصحابه وجلساؤه يخوضون بين يديه فى علم النحو، فإذا اختلفوا فيما يقع فيه الشك يقول لهم أبو عثمان: ابعثوا إلى هذا الفتى الكاتب، يعنى ابن الزيات.
وعمل ابن الزيات فى بداياته من جملة الكتاب، وكان أحمد بن عمار بن شاذى البصرى وزير المعتصم وقتها، فورد على المعتصم كتاب من بعض العمال، فقرأه الوزير عليه، وكان فى الكتاب ذكر "الكلأ"، فقال له المعتصم: ما الكلأ؟، فقال: لا أعلم، وكان قليل المعرفة بالأدب، فقال المعتصم: خليفة أمّى ووزير عامّيّ، وكان المعتصم ضعيف الكتابة، ثم قال: أبصروا من بالباب من الكتاب، فوجدوا ابن الزيات، فأدخلوه إليه فقال له: ما الكلأ، فقال الكلأ العشب على الإطلاق، فإن كان رطبًا فهو الخلا، فإذا يبس، فهو الحشيش، وشرع فى تقسيم أنواع النبات، فعلم المعتصم فضله، فاستوزره وحكمه وبسط يده.
وأقره الواثق على ما كان عليه فى أيام المعتصم، بعد أن كان متسخطًا عليه فى أيام أبيه وحلف يمينًا مغلظة أنه ينكبه إذا صار الأمر إليه، فلما ولى أمر الكتاب أن يكتبوا ما يتعلق بأمر البيعة، فكتبوا فلم يرض ما كتبوه، فكتب ابن الزيات نسخة رضيها، وأمر بتحرير المكاتبات عليها، فكفر عن يمينه وقال: عن المال والفدية عن اليمين عوض، وليس عن الملك وابن الزيات عوض.
فلما مات الواثق، وتولى المتوكل كان فى نفسه منه شيء كثير، فسخط عليه بعد ولايته بأربعين يومًا، فقبض عليه واستصفى أمواله، وكان سبب ذلك أنه بعد موت الواثق أشار الوزير بتولية ولده.
وعن طريقته فى تعذيب خصومه، كان ابن الزيات يتخذ "تنورًا" من حديد وأطراف مساميره المحددة إلى داخل، وهى قائمة مثل رؤوس المسال، وكان يعذب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطالبين بالأموال، فكيفما انقلب واحد منهم أو تحرك من حرارة العقوبة، تدخل المسامير فى جسمه، فيجدون لذلك أشد الألم لم يسبقه أحد إلى هذه المعاقبة.
وكان إذا قال أحد منهم: أيها الوزير ارحمني، فيقول له: الرحمة خور فى الطبيعة.
أما عن نهايته فإنه لما اعتقله المتوكل، أمر بإدخاله فى التنور، وقيده بخمسة عشر رطلاً من الحديد فقال: يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال له: الرحمة خور فى الطبيعة، كما كان يقول للناس.