نواصل مع المفكر العربى الكبير الدكتور طه حسين (1889- 1973) قراءة مشروعه الفكرى المهم الذى كان حلقة مهمة فى القرن العشرين لا يزال صداها مستمرا حتى الآن واليوم نتوقف مع روايته الشهيرة "دعاء الكروان"، وتعد رواية "دعاء الكروان" التى صدرت فى عام 1934، واحدة من أبدع الروايات فى تاريخ الأدب العربى، وقد حققت نجاحا كبيرا على مستوى القراءة، وعلى مستوى الصورة، وبذلك بعد تحويلها إلى فيلم شهير من إخراج بركات 1959 بطولة الفنانة فاتن حمامة وأحمد مظهر.
تطرح رواية دعاء الكروان فى جرأة قضية الظلم الواقع على المرأة العربية والريفية خاصة، فى ظل مجتمع لا يرى فى المرأة سوى أنها عورة لا بد من حجبها عن العالم، فالمرأة هنا هى (زهرة ) الأم المتفانية فى تربية بناتها اللاتى تخلى عنهن والدهن سعيا وراء ملذاته الجنسية – وقد ذكرت هذه المعلومة بشكل موارب بعض الشيء - ورغم أنها أم لا تنشد أكثر من العيش بسلام ضمن مجتمع تعرفه إلا أن حياتها انقلبت رأساً على عقب، بسبب حادثة قتل الزوج نتيجة فساده الأخلاقى على يد طالبى الثأر لشرفهم، فطردت الزوجة وبناتها من المكان الذى لا يعرفن سواه، بسبب العار الذى لحق بالعائلة كلها بعد فضيحة قتل الزانى كما لقبته القرية.
أما الشخصية النسائية الثانية فهى (هنادي) الابنة البكر وهى فتاة قتلتها سذاجتها بعد أن غرر بها شاب مدنى ومتعلم أوهمها - أو أنها من أوهمت نفسها- بمصداقية مشاعره تجاهها... وقد شكلت شخصيتها وما ارتبط بها من أحداث، فرعا مهما من فروع الرواية التى تصب جميعها فى مجرى المرأة المضطهدة، التى وإن ساهمت بجهلها فى ذلك الاضطهاد شكلياً إلا أنها وقعت فى بؤرة القمع منذ ولادتها القسرية ضمن ذلك المجتمع الذى يراها جانياً لا مجنى عليه. رغم أن حدث قتل هنادى يعد من أهم أحداث الرواية، خاصة فيما يتعلق بفاعليته وأثره على الشخوص الأخرى والأحداث التى توالت بعد ذلك.
إلا أن (طه حسين) ولمنطقيته فى التعامل مع حكاية لم يرد لها الانتهاء بجريمة قتل فقد اتخذ شخصية أخرى (آمنة) لتكون بطلة لروايته، تقود المركب بكيفية واحدة ونسق متجانس منذ بداية الرواية إلى نهايتها مع اعتمادها على تغيير وجهة السير أحيانا متكئة ضمنياً على حدث القتل كمفترق طرق يحدد وجهة سير المركب الروائى قبل وبعد.