عرف الإنسان، منذ القدم، الأمراض المعدية، وانتشرت على مدار التاريخ البشرى العديد من الأوبئة التى أودت بحياة ملايين البشر، وظلت تحصد الأرواح واحدة تلو الأخرى، قبل أن يتوصل العلماء إلى أمصال ولقاحات للوقاية من تلك الأمراض، أو تختفى وحدها بعوامل المناعة الطبيعية.
وخلال العصور القديمة، خاصة العصور الوسطى، شهد العالم العديد من الأمراض التى استمرت لعدد من القرون، وحصدت أرواح الكثير من البشر قبل أن تختفى بلا راجعة، وبلا تحديد سبب معين لوجودها، أو علاج للوقاية منها.
وبحسب كتاب "عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" تأليف سوزان سكوت وكريستوفر دنكان، ضرب وباء فتاك يعرف باسم "الطاعون الأصفر" أوروبا فى القرن السادس الميلادي، ثم عاود الظهور فى القرن السابع واستمر لسنوات عديدة. وقد استشرى فى جنوب إنجلترا عام 664 ميلاديًّا، وقد انتقل منه فى آخر المطاف إلى نورثمبريا وأيرلندا، جدير بالذكر أن هذا الطاعون كان ينشط أثناء أشهر الصيف. ثمة أيضًا روايات معاصرة عنه فى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
لا يوجد كثير من الحقائق عن هذا الطاعون، لكنه حتما استمر لوقت طويل (ربما ﻟ 600 عام)، مع أنه يبدو أن الأوبئة فى إنجلترا كانت تحدث على فترات متقطعة. ولعل هذا المرض كان مستوطنًا فى جنوب أوروبا القارية، وفقط كان يعبر القنال الإنجليزى من حين إلى آخر كى يبدأ موجات التفشى فى الصيف فى إنجلترا.
هل كان طاعونا أثينا وجستينيان، وطواعين الإمبراطورية الإسلامية الأولى، وأشكال الطاعون الأصفر، من الطواعين النزفية؟ إذا كان الأمر كذلك فهل تسببت تلك الطواعين (وبالأخص الطاعون الأصفر) فى زيادة تكرارية حدوث طفرة سى سى آر ٥-دلتا ٣٢ بالتدريج لتصل إلى نسبتها التى تبلغ فردًا واحدًا فى كل 40 ألف فرد قبل ظُهور الموت الأسود؟ يبدو هذا فى نظرنا سيناريو محتملًا.