وجدتني أسير بغير هدى في شارع التحرير أو "الهموم" كما اعتدت أن أسميه منذ أن بدأت عملي هناك، حيث تتدفق هناك كل الذكريات والآلام، أخطو شاردا غير عابئ بالمارة، أنظر في الوجوه ولا أرى ملامحها، أعبر من رصيف إلى آخر غير مهتدٍ، وبينما أنا غارق في التيه، وجدتني أحدق في شحاذة عابثة الوجه، خطواتها تدل وكأنها تحمل هموما تشبه ملابسها الرثة كقطعة قماش كالتي ينظف بها الفرن.
توقفت لحظة وظللت أتفرس ملامحها الواجمة، كانت تسير وتدفع أمامها كرسي ذا عجلتين، متهالك كالذي يجلس عليه العاجزين، تدفعه بقوة وكأنها تدفع هموما بيدها، وعليه أكياسا مبعثرة تماما مثل خصلات شعرها الأشيب، تأملتها فى هدوء، وما إن تخطيتها وجدتني أعود إليها مسرعا، واضعا يدي على كتفها في هدوء كي لا أزعجها، لم انبس بكلمة، فقط أخرجت نقودا وأعطيتها، دُهشت وظلت تحدق لحظات في وجهي، أخذت النقود لكنها لم تدعو لي كما يفعل الشحاذون عادةً، فقط أرسلت إلي قبلة طائرة وابتسمت بسمة حانية، كأنها ترسل إلى نسمات من السماء، وسارت فى طريقها وعدت أنا إلى طريقي وقد سُر صدري وعمت نسمات من السرور في قلبي ونسيت الهموم.