توجد الألعاب حولنا فى كل مكان: فالسائقون وهم يناورون وسط الزحام المرورى يلعبون لعبة قيادة، وتجار الصفقات وهم يقدمون العروض على مواقع التسوق يلعبون لعبة مزادات، وعندما تتفاوض شركة مع إحدى النقابات العمالية على أجور العام المقبل فإنهما تلعبان لعبة تفاوض، وسعر رقائق الذرة فى السوبر ماركت تحدده لعبة اقتصادية، ومن الكتب التى تفسر عالم الألعاب المالية والتجارية بطريقة عقلانة كتاب "نظرية الألعاب: مقدمة قصيرة جدا" تأليف كين بينمور، وترجمة دكتورة نجوى عبد المطلب.
وتأخذنا هذه المقدمة القصيرة جدا فى جولة قصيرة داخل عالم نظرية الألعاب الرائع، وهو مجال جديد يحلل كيفية ممارسة الألعاب بطريقة عقلانية، يشرح كين بينمور، وهو رياضى وباحث معروف فى نظرية الألعاب، مفهوم النظرية بطريقة شائقة وغير رياضية فى آن واحد، لكنها تتسم أيضا بنظرتها المتعمقة، حيث يثبت كيف يمكن لنظرية الألعاب إلقاء الضوء على كل شيء؛ بدءا من التجمعات الاجتماعية، ومرورا بعمليات صنع القرار، وانتهاء بالاستراتيجيات الناجحة لممارسة ألعاب الورق.
وبحسب الكتاب قد لعب أنطونيو وكليوباترا لعبة المغازلة على نطاق واسع، وحقق بيل جيتس ثراء هائلا عندما لعب لعبة برامج الكمبيوتر، ولعب كل من أدولف هتلر وجوزيف ستالين لعبة أبادت نسبة ليست هينة من سكان العالم، وأثناء أزمة الصواريخ الكوبية لعب خروشوف وكينيدى لعبةً كان من الممكن أن تبيد البشرية جمعاء.
مع هذا التطبيق الواسع النطاق، تكون نظرية الألعاب علاجا شاملا إذا ما استطاعت دائما أن تتنبأ بالكيفية التى سيلعب بها الأفراد الألعاب المتعددة التى تتكون منها الحياة الاجتماعية فى العموم، ولكن نظرية الألعاب لا تستطيع أن تحل كل مشكلات العالم، لأنها لا تنجح إلا عندما يلعب البشر الألعاب "بعقلانية"؛ لذا فهى لا تستطيع أن تتنبأ بسلوك المراهقين الولْهانين أمثال روميو وجولييت، أو المجانين أمثال هتلر أو ستالين، غير أن سلوك البشر لا يكون دائمًا غير عقلانى؛ ومن ثم فليس مضيعة للوقت أن ندرس ما سيحدث عندما يفكر البشر بعقلانية، فمعظمنا على الأقل يحاولون التحلى بالحكمة عند إنفاق أموالهم، ولا يتسم سلوكنا الإنفاقى فى معظم الوقت بالسفه والإسراف المبالغ فيهما، وإلا فما كانت النظرية الاقتصادية لتنجح على الإطلاق.
رغم النتائج الإيجابية لنظرية الألعاب على الصعيد النظري، فإن رجال الأعمال العمليين عادة ما يَصرفون النظر عنها باعتبار أنها ليست سوى فرعٍ عقيم آخر من العلوم الاجتماعية، لكن يبدو أنهم غيروا آراءهم بين ليلة وضحاها بعد أن قررت الحكومة الأمريكية أن تطرح حق استخدام تردُّدات الراديو المتنوعة للبيع فى مزادٍ علنى؛ لاستخدامه مع التليفونات المحمولة.
ولأنه لا يوجد خبراء فى هذا المجال، صارت نصيحة خبراء نظرية الألعاب هى الأساس الذى حدد شكل القواعد المتبعة فى ألعاب المزايدة. وكانت نتيجة ذلك أن حقق دافعو الضرائب الأمريكيون أرباحا بلغت قيمتها ٢٠ مليار دولار أمريكي، وهو ما كان يزيد عن ضِعف الأرباح التقليدية المتوقعة، وتحققت أرباح أكثر من ذلك فى مزاد لاحق، كنت أنا المسئول عنه، لمصلحة شركة اتصالات بريطانية؛ حيث بلغ إجمالى الأرباح التى حقَّقناها فى مزاد واحد فقط ٣٥ مليار دولار أمريكي. ونتيجةً لذلك، وصفتْنى مجلة «نيوزويك» بالاقتصادى القاسى لاعب البوكر الذى دمر.