إذا تحدثنا عن النهضة المصرية وجب أن نتحدث عن "سلامة موسى" الذى أثر فى أجيال كثيرة أتت بعده، وهو من مواليد سنة 1887 ورحل فى عام 1958، ونتوقف اليوم مع كتابه "الإنسان قمة التطور".
يقول سلامة موسى فى "الكتاب"
هذا الكتاب هو مزيج من العلم والفلسفة، ونعنى بكلمة العلم هنا أن الكتاب يحوى معارف جديدة عن تطور الأحياء، وهى معارف إن لم تكن يقينًا كاملًا فهى تقاربه.
ونعنى بكلمة الفلسفة أننا حاولنا أن نتعمق بهذه المعارف، كى نصل منها إلى تعيين الأسلوب وفهم الدلالة وتحديد الهدف فى التطور.
ومجهودنا هنا أقرب إلى البصيرة والرؤيا منه إلى التحقيق العلمى والرؤية، ولا بد من البصيرة حتى للمفكر العلمى.
ولسنا نقصد من التأليف عن التطور أن يعرف جمهور القراء حقائق هذه النظرية فحسب؛ لأننا إنما نتوسل بهذه النظرية إلى أن نعمم مزاجًا ذهنيًّا، واتجاهًا نفسيًّا، وخطة اجتماعية، نحو التغير؛ أي: نحو التطور فى الشعب وفى الفرد أيضًا.
وليست الحياة شيئًا شاذًّا فى المادة تستحق عقائد معينة، فإن الظواهر العديدة فى هذه الكون، وليس فى هذه الدنيا وحدها، تدل على أن المادة فى تغير؛ أي: تطور دائم لا ينقطع، ويمكن أن نسمى حركة الذرة والجزيء، وحركات الكواكب والنجوم؛ أنواعًا من الحياة.
ومع أن التطور نظرية علمية، فإننا محتاجون إلى الفلسفة حين نكتب عن التطور فى المستقبل؛ أي: عن التوجيه والتعيين ورسم الأهداف لمستقبل الإنسان، وليس لدينا هنا يقين علمى وإنما نحن نسترشد بالبصيرة المثقفة والتفكير الشامل.
والشاب الذى درس التطور فى الأحياء؛ نباتًا، وحيوانًا، لا يتمالك أن يحس إحساسًا دينيًّا نحو الطبيعة، ثم إذا درس بعد ذلك تطور المجتمعات والأديان والعائلة والثقافة والعلم والأدب والفن والحضارات، فإنه لا يتمالك أيضًا أن يحس المسئولية نحو الوسط الذى يعيش فيه، ويجب أن يؤثر فيه، للخير والشرف والسمو؛ لأنه هو نفسه قد أصبح جزءًا عاملًا فى هذا التطور، ويمكن أن يعد التطور بهذا الفهم دينًا أو مذهبًا بشريًّا جديدًا.
ولم يكن التطور فى ملايين السنين الماضية ارتقاء على الدوام، كما نفهم المعنى «البشري» لهذه الكلمة، ولكنه يجب أن يكون كذلك فى المستقبل؛ لأن الإنسان كان فى الماضى خاضعًا، فى ذهول، لعوامل التطور البيئية، أما منذ الآن فإن التطور هو الذى سيخضع للإنسان عن وجدان ودراية بما يتخذ من أساليب ويبين من أهداف فى مصير البشر بعد ملايين السنين.
لقد كنا، قبل الطب، نمرض ونشفى بتأثير العوامل الطبيعية، أما بعد الطب فإننا صرنا نتسلط على المرض ونمحوه بالدواء، وكذلك الشأن فى التطور، فقد كنا نتغير فى الماضى بتأثير العوامل الطبيعية، أما بعد اهتدائنا إلى نظرية التطور فإننا أصبحنا قادرين على التسلط على العوامل التى تغيرنا وتؤدى إلى ارتقائنا.
وفى هذا التفكير أو التوجيه الجديد رسالة تناشد فى كل منا شرفه وشجاعته.