صدر حديثًا عن معهد الشارقة للتراث العدد الجديد من مجلة "مراود"، مستعرضاً مسيرة النجوم والطوالع وأثرها وتأثيرها على التغيرات التى تطول الحياة بمختلف مجالاتها، وقال الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس التحرير: عاش الإنسان العربى قديماً فى فضاء مكشوف، وسماء متلألئة بالنجوم، التى كانت علامات يستدل بها فى دروبه المقفرة، فى بيداء شاسعة واسعة، لا يحدها شيء، وفى غمرة ذلك تشكلت علائق كثيرة بين الإنسان والنجوم والطوالع، والنظر فيها، ومعرفة منازلها، وذلك لارتباطها بحياته اليومية، وما يطالها من تغيرات بين فصول السنة، ووقت نزول الأمطار، ووقت البرد والحر، كما يعرف أهل القرى والفلاحون، من خلال حساب النجوم، متى يحرثون أراضيهم، وأهل البر يعرفون مواسم الرعى والسفر، وأهل البحر يعرفون مواسم الصيد البحرى والسفر".
وأضاف الدكتور عبدالعزيز المسلم، أفردنا فى هذا العدد من "مراود" ملفاً خاصاً يناقش تلك الفكرة، تزامناً مع مطلع النجم سهيل، وهو بعنوان: "النجوم والطوالع فى التراث العربى"، استحضرنا فيه اهتمام العرب قديماً بالنجوم وارتباطها الوثيق بمختلف تفاصيل حياتهم، ثم عرجنا على النجوم والمواسم عند أهل الخليج، ودورها فى توثيق تاريخهم وعلاقتها، كذلك بموروثهم الشعبي، وتوقفنا عند النجوم فى التراث الإماراتى، وما تعنيه من رمزية ودلالة عند الإماراتيين، مما تم سرده وعرضه نثراً وشعراً، عبّر فيه الشعراء عن ارتباطهم الروحى والوجدانى والطبيعى، بتلك النجوم عامة والنجم سهيل، خاصة عطفاً على اهتمام العرب قديماً به، فهو البشير اليماني، كما تناول الملف الطوالع والنجوم فى التراث الشعبى العربى ثم فى السينما.
وقدم الدكتور منى بونعامه، مدير إدارة المحتوى والنشر، مدير التحرير إطلالة على الماضى من خلال استعراض أنماط متعددة من الحياة القديمة وقال: "شهدت حياة الإنسان الإماراتى نقلةً كبيرةً وتحولات عميقة خلال السنوات الأخيرة، ألقت بظلالها على مناحى الحياة كافة، وطبعتها بطابعها الخاص، وأظهرت الفوارق الكبيرة، والبون الشاسع بين الماضى والحاضر، وبين القديم والجديد، والطارف والتالد، ويمكننا تلمس ذلك التغيير فى العديد من المجالات، فقد اعتمدت حياة الإنسان الإماراتى فى القديم على ما كان يقطفه من النخل، أو يصطاده من البحر، أو يجنيه من التجارة، فلذلك كانت مظاهر الحياة مرتبطة أشد الارتباط بالبيئة المحلية وروافدها، وما تدرّه من خير، ونتيجة لذلك كانت الحرف والمهن تابعة لتلك الحياة، وكانت المرأة عاملة تمتهن العديد من الحرف التقليدية، والصناعات المحلية فى بيئتها، وراوية وساردةً للحكايات التى كانت تلقى على مسامع الأبناء والأحفاد قبل النوم، بالإضافة إلى كونها ربة المنزل، القيّمة على شؤونه".
وأضاف بو نعامة، فقد كانت حياة الإنسان الإماراتى فى القديم أكثر تماسكاً وانسجاماً مع عاداته وتقاليده وماضيه العريق، وأكثر تعاوناً وتواصلاً وتكافلاً وترابطاً من الآن، حاله فى ذلك كحال شعوب العالم كلها، التى تأثرت باجتياح تيار العولمة والتحديث الحياةَ المعاصرة، ما أدى إلى تغيير نمط الحياة، ونحلة العيش، وأدخل الكثير من المسلكيات والممارسات الجديدة التى تختلف بالضرورة عن حياة الماضي، إن لم تتناقض معها فى بعض الجوانب، مما يدعو، بإلحاح شديد، إلى العودة إلى التراث، والتمسّك بقيمه ومُثله ورموزه، وزرع تلك القيم فى نفوس الأبناء والنشء؛ للمحافظة على الهوية التراثية والحضارية للمجتمع الإماراتى فى وقت يتسم بالمسخ والاستلاب.
وتتبع العدد أخبار المعهد، والفعاليات التى نظّمها خلال الفترة الماضية، من ندوات ومحاضرات وورش افتراضية، كان لها دور كبير فى الاضطلاع بالغاية المنشودة، وتقديم التراث للجمهور، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة وخصوصيتها. وكانت البداية بالقرية التراثية فى خورفكان، التى عمل المعهد على صيانتها وترميمها، وتأهيلها وإعادة إحيائها؛ لفتحها أمام الزوّار، ليتشبّعوا بروح الماضي، وعبقه الساحر، ويتشربوا من معينه الزاخر، كما استعرض العدد احتفال المعهد باليوم الثقافى البحريني، الذى تم تنظيمه ضمن برنامج مستحدث لأسابيع التراث الثقافى العالمى فى الشارقة، بهدف تسليط الضوء على تراث الدول التى تمت استضافتها خلال السنوات الماضية، لاستذكار تراثها، والاحتفاء به.
واستعرض العدد على مبادرة "موروثنا فى كتاب"، التى أطلقها المعهد تزامناً مع انتشار فيروس كورونا المستجد، بهدف التعريف بإصدارات المعهد ومنشوراته، والتعرف إلى ما تضمه بين دفتيها من تاريخ عريق، وتراث عميق، يتجدّد كل حين فى حلل بهيّة، وصورة مشرقة، تعكس مدى اهتمام المعهد بالتراث وتوثيقه ونشره.
كما تضمن العدد الكثير من الموضوعات التراثية والثقافية المتنوّعة، التى تثرى معلومات القارئ، ومنها: تراث النوازل للدكتور ماجد بوشليبي، وسيرة الشاعر على بن هويشل الخاطرى (شاعر الرزيف)، وفن الصوت الخليجى فى الإمارات، وفن الوهابية، والغوص.. رحلة المعاناة والكفاح، وقصة الشاعر جويهر بن عبود الصايغ مع محمد بن حمد الشامسى، والراوى راشد الشوق كنز بشرى خالد، وسالفة وفايدة، بالإضافة إلى موضوعات أخرى عن تراث الشعوب وثقافات الأمم.