لم يحقق أى فنان الشهرة التى حققها تشارلى شابلن فى النصف الأول من القرن العشرين، ولا يزال حتى الآن علامة بارزة فى تاريخ الكوميديا، ومؤخرا صدر كتاب "شابلن أبى" لـ شارلز شابلن جونيور، الذى صدرت ترجمته عن دار المدى، ترجمة أكرم الحمصى، ونتوقف عند جانب مهم من شخصية الفنان ترتبط بحبه وزواجه بوالدة ابنه مؤلف الكتاب.
يقول شارلز شابلن جونيور:
لم أكن، وسيدني (شقيق المؤلف) نرى والدنا لفترات طويلة. وكنا أصغر سنّاً من أن تبهرنا حقيقة كونه تشارلى شابلن العظيم. كما أننا لم نتذكر، بالتأكيد، مرارة زواجه القصير بأمنا الذى انتهى بالانفصال ثم بالطلاق، كانت تلك قصة سمعتها بعد سنوات من ذلك فى ظروف حزينة.
كانت أمى، ليليتا ماكموراى، أو ليتا جراى، وهو الاسم الفنى الذى اختارته لنفسها، نصف اسكتلندية ونصف إسبانية- إنكليزية. إذ تنحدر جدتى لأمى، السيدة ليليان جراى، التى لا أزال، وسيدنى، ندعوها نانا، من جهة والدتها، من أسرة كاليفورنية عريقة ذات أصول إسبانية، فقد كان الاسم الأوسط لوالدتها، التى كنا نناديها جدتى، هو لويزا كاريلو. وقد توفيت عام 1950 عن ثلاثة وثمانين عاماً. هكذا، يفترض بنجم الشاشة ليو كاريلو أن يكون واحداً من أقربائنا الأبعدين، أما والد جدتى نانا، فهو ويليام إدوارد كورى، وهو رجل إنجليزي، فى حين أن جدي، روبرت إيرل ماكموراى، اسكتلندى، وقد انفصل عن نانا عندما كانت والدتى لما تزل صغيرة للغاية.
لم يكن عمر والدتى يزيد عن ست سنوات عندما التقت بوالدى للمرة الأولى فى مطعم صغير فى الحى كان يتردد عليه أحياناً، وقد جذبه سحرها الطفولى إلى درجة أنه أمضى بعض الوقت يتحدث إليها ويسليها ببعض الحيل مستخدماً أعواد الثقاب، ولم يلتقيا مرة أخرى، بعد ذلك اللقاء العارض، إلّا بعد مضى ستة أعوام، كما أسهم الحظ، مرة أخرى، فى اللقاء التالى، إذ كان تشاك رايزنر، الذى كان يعمل، فى ذلك الحين، مساعد مخرج لدى والدى، يعيش فى البناء نفسه الذى تعيش فيه أمى ونانا، وكانت أمى معتادة على اللعب مع ابنه الصغير دينكى. فذكرها السيد ريزنر لوالدى مقترحاً عليه إلقاء نظرة عليها، وذات، يوم جاء والدى وشاهد أمى التى كانت تقف فى الخارج فأبهره مظهرها إلى درجة جعلته يوقع معها عقداً مدته عام واحد وجعلها على الفور تشارك فى فيلم "الولد" الذى كان تصويره جارياً مع جاكى كوجان.
سألت جاكى، مؤخراً، عن ماهية العمل تحت توجيهات والدى، فهزّ جاكى رأسه قائلاً: "لا أذكر الكثير عن والدك، باستثناء أنه كلّما أرادنى أن أبكى أمام الكاميرا، كان يخبرنى قصصاً حزينة حتى تسيل دموعى على وجنتى. لقد كنت صغيراً للغاية- فى الرابعة من عمرى فحسب".
ثم أشرق وجهه قائلاً: "بيدَ أنى أتذكّر والدتك. لقد اعتدنا على اللعب سويّاً فى مواقع التصوير. لقد كانت مرحة دائماً".
وبعد فيلم "الولد"، شاركت أمى ونانا بدورين صغيرين فى فيلم "الطبقة المتعطلة" الذى أخرجه والدي، ثم انتهى عقد أمى واختفت من حياة والدى لبضعة أعوام، وكان يمكن لها أن لا تراه من جديد لولا أنها عرجت على الاستديو، بعد ظهيرة أحد الأيام بعد انتهاء المدرسة، مع صديقة لها هى ميرنا كينيدى كى تتباهى أمامها أنها تعرف شارلى شابلن الشهير، بالفعل، فى ذلك الوقت، كان والدى منهمكاً فى الحصول على فتاة مغمورة كى تلعب دور البطولة إلى جواره فى فيلم "حمى الذهب".
وعندما رأى أمى، أسرته مرة أخرى، لكن بطريقة مختلفة، هذه المرة. إذ لم تعد أمى، وكانت، فى ذلك الحين، قد بلغت سنّ السادسة عشرة، تلك الفتاة الصغيرة المرحة، بل تفتحت واستحالت سيدة شابة جميلة ذات عينين بنيتين. لقد أصبحت امرأة سمراء مفعمة بالحيوية، سألها والدى أن تؤدى اختبار أداء من أجل الفيلم فوافقت أمى، وكان والدى سعيداً بما رآه ووقّع معها عقداً لأداء الدور، هكذا ساهم القدر، أو الحظ أو ما شئتم تسميته، مرة أخرى فى جعل المسافة بين والدى ووالدتى تزداد قرباً أكثر من أى وقت مضى، وقد انتهى كل ذلك بالزواج المفاجئ لوالدى، فى نوفمبر 1924، فى قرية إمبالم المكسيكية الصغيرة التى لجآ إليها هرباً من وابل الأسئلة التى كان الصحفيون يطرحونها.
وبعد عملية الفرار هذه، أخذ والدى عروسه، التى هى أمى، إلى بيته الكبير الجديد الواقع فى ساميت درايف فى بيفرلى هيلز، تخلّت والدتى عن دورها فى فيلم "حمى الذهب" لجورجيا هايل وأصبحت ربة منزل، وبطلب من والدى، جاءت نانا للإقامة مع والدتى وأبصرت النور فى العام التالى، فى الثامن والعشرين من يونيو 1925، كما تشير إلى ذلك شهادة ميلادي. وقد ولدت فى البيت، كوالدتى. أما مكان ولادتى، فكان غرفة النوم الشرقية، وهى الغرفة التى أصبحت غرفتى وغرفة سيدنى عندما عدنا بعد سنوات من ذلك للإقامة فى منزل والدنا.
كان والدى قلقاً للغاية فى الفترة التى سبقت ولادتى، إذ كان قد تزوج من قبل- شابة أخرى اسمها ميلدريد هاريس- وتوفى طفلهما بعد بضعة أيام من ولادته، وقد دام حزن والدى على طفله المتوفى عدة أشهر، وكان على درجة من المرارة جعل الآنسة هاريس تؤكد أنه كان السبب الرئيس لانهيار زواجهما.
لكن ولادتى كانت مصدراً لقلق آخر. فقد التفّ الحبل السرى حول عنقى بشدة وكاد يخنقنى الأمر الذى اضطر الطبيب إلى وضع قطعة من الكتان على فمى ونفخ فيها فسعلت بشدة حتى أصبحت قادراً فى نهاية الأمر على البكاء فارتاح جميع الحاضرين.
أعرب والدي، مراراً، قبل ولادتى عن ميله إلى الفتيات، لكنه رحّب بقدومى وأعرب عن رضاه لأننى كنت مولوده الأول الصحيح البنية. حملت اسم تشارلز سبنسر تيمناً به بعد نزاع أسرى حول هذه المسألة، فقد اعترض والدى على هذا الاسم بشدة قائلاً إن حمل اسمه يعنى أن حياتى ستكون معلقة بسمعته وهو أمر قد يتبين، فى المستقبل، أنه عائق كبير يقف فى طريقي، لا سيما إذا اخترت مهنته. لكن أمى، التى كانت تعرف جيداً غرور والدى الكبير، عجزت عن منع نفسها من الشعور أن سبب اعتراضه الحقيقى يتعلق بوجود اثنين فى العائلة يحملان اسم تشارلى شابلن، فاستمرت فى الدفاع عن قضيتها حتى فازت، كان والدى يعرف، أثناء حياة جدي، باسم شارلى جونيور. وهكذا، كان على أن أكون الوارث الجديد لهذا اللقب.