يعرف المثقفون المصريون قيمة سلامة موسى (1887- 1958) ويعرفون أفكاره التى حافظت على فضيلة التفكير، فقد كانت له آراء واضحة فى العديد من القضايا منها "حرية المرأة" واليوم نتوقف مع كتابه "المرأة ليست لعبة الرجل".
يقول الكتاب تحت عنوان "أيتها المرأة لا تكونى لعبة":
إنى أدعوك، أيتها المرأة المصرية، إلى أن تثبتى وجودك الإنسانى والاجتماعى فى الدنيا بالعمل والإقدام، وأن تختارى حياتك واختباراتك.
أدعوك إلى أن تدربى ذكاءك، وتربى شخصيتك، وتستقلى فى تعيين سلوكك، وتزدادى فهمًا وخيرًا ونضجًا بالسنين.
لا تكونى لعبة نلعب بك نحن الرجال، للذتنا نشترى لك الملابس الزاهية، والجواهر المشخشخة، ونطالبك بتنعيم بشرتك، وتزيين شعرك، وكأن ليس لك فى هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك ونلهو.
ليس شك أن أنوثتك جميلة، وليس شك أنك تعتزين بجمالك وتعنين به، ولكن لا تكونى لعبة.
أنت إنسان لك جميع الحقوق الإنسانية التى للرجل، فلا تقبلى أن ينكر عليك أحد هذه الحقوق وأن يعين لك طراز حياتك.
أنت إنسان لك حق الحياة واقتحام التجارب البشرية وحق الإصابة والخطأ؛ لأنك، بغير ذلك، لا تحصلين على تربية إنسانية؛ أى لا تكبرين ولا تنضجين بل تبقين طفلة ولعبة ولو بلغت الستين أو السبعين من العمر.
سيقال لك إن البيت هو دائرة نشاطك. وهو كذلك إذا شئت أنت، ولكن ليس لأن هناك حكمًا سماويًّا قهريًّا يجبرك على الطاعة وعلى البقاء فى البيت. ثم اذكرى أنه ليس فى الدنيا بيت يمكنه أن يستوعب كل نشاط المرأة.
البيت أصغر من أن يستوعب كل إنسانيتك، وكل عقلك، وكل قلبك؛ لأن الدنيا الواسعة هى بيتك الأول.
يجب أن تحيى فى الدنيا قبل أن تحيى فى البيت، أو مع حياتك فى البيت.
أنت لست خادمة الرجل يلعب بك ويلهو، وتنجبى له الأطفال، وتطبخى له الطعام، وتغسلى له المرحاض.
أنت شريكته إذا شئت، ولست خادمته.
أنت أم الرجل، وأخته، وزوجته، وزميلته. ولكن يجب ألا تكونى خادمته أو لعبته.
أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور، ولك قدرة على الفهم لم يرتفع إليها حى فى كل هذه السنين. فلا تبخسى قدرك، وتحيلى شخصيتك إلى لعبة. ولا ترضى بأن تكونى خادمة الرجل؛ إذ هو لا يمتاز عليك بأية ميزة.
أنت أغلى فى تقدير الطبيعة من أن تكونى لعبة أو خادمة. وأنت تخونين روحك إذا لم تستقلى فى هذا الكون، وتحيى الحياة المستقلة، وتنظرى النظرة المستقلة إلى شئون العيش.
إن الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية، غير شجاعة، غير سخية، غير بصيرة، لم تتفوقى فى الاختراع أو الاكتشاف، ولم تبرزى فى العلوم أو الفنون.
وكل هذه التهم صحيحة.
ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة بين أربعة جدران فى البيت، ولو قدِّر لنا نحن الرجال أن نُحبس كذلك لكنا فى هذه الحال التى تُتَّهمين أنت بها.
ذلك أن الذكاء والشجاعة والسخاء والتبصر والاختراع والاكتشاف، كل هذه الأشياء، هى بعض النشاط الاجتماعى الذى يدعونا إليه المجتمع ويبعث فينا، حين نختلط به ونتفاعل معه، تلك العواطف التى تحثنا على النشاط الذهنى أو الجسمي.
لماذا يكبر ذكاؤك إذا كان البيت لا تحتاج واجباته إلا إلى مقدار صغير منه؟ هل الطبخ يحتاج إلى ذكاء كبير؟ هل غسل الملابس يحتاج إلى ذكاء عظيم؟
لماذا تكونين عبقرية؟ هل إدارة البيت تحتاج إلى ذهن عبقري؟
لماذا تحسين المسئوليات الاجتماعية فى البر والسخاء والتبصر؟ هل البيت يحتاج إلى كل هذه الصفات؟