طرح المثقف الكبير سلامة موسى (1887- 1958) العديد من الأفكار التى أثرت فى جيل كبير من مثقفى القرن العشرين، وقدم عددا من التأملات، ومن ذلك ما ورد فى كتابه "حياتنا بعد الخمسين".
يقول الكتاب :
يتسم الشباب بنشاط سريع، وأحيانًا انفجارى، لأن نبض الحياة فيه قوى. وهو أيضًا يتسم بالاستطلاع الذهنى والعاطفى لأن الشباب يجد الدنيا ملتغزة تحتاج إلى التوضيح، فهو كثير التساؤل والاستفسار، فإذا بلغ الخمسين أو حواليها هدأت نفسه، فقل الاستطلاع وسكنت العواطف، ولكن هذا السكون يجب ألا يكون ركودًا.
وانتقال المرأة من الشباب إلى الشيخوخة يقع فى الخمسين وعلامته الواضحة هى انقطاع العادة الشهرية. وهذا الانتقال كثيرًا ما يحدث رجة نفسية تنشأ من التغيير الفسيولوجى فى الجسم، كما تنشأ أيضًا من الاعتبارات الاجتماعية حين تحس المرأة أن الدنيا لم تعد دنياها، وهذه الاعتبارات كاذبة فى معظمها. لأن جمال المرأة يبقى، مع العناية إلى ما بعد الخمسين والستين. كل ما فيه أنه ينتقل من جمال الجسم إلى جمال الشخصية. بل قد يبقى شيء كثير من جمال الجسم فى من يبلغون الخامسة والخمسين والستين من الجنسين، وهم مع ذلك لم يفقدوا حتى النزق الجنسى والاستطلاع والثورات العاطفية. والرجال فى مجتمعنا المصرى أقدر على الاحتفاظ بشبابهم، أو بالكثير منه، من النساء، لأنهم يشتبكون فى الحياة العامة ويعملون للكسب دون النساء. وهذا النشاط يكسبهم حيوية تلازمهم عشر سنوات أو عشرين سنة تزيد على سن النشاط عند المرأة التى يقضى عليها أحيانًا مجتمعنا بالانزواء والركود، فيترهل جسمها وعقلها وتعيش كأنها فى إجازة من الموت الذى له أن يطلبها فى أية ساعة.
وربما كانت سن المعاش بين الموظفين عندنا، وهى سن الستين، سببًا من الأسباب الاجتماعية التى تجعل جمهور الناس يخشى الشيخوخة ويستسلم لأمراضها. فإنها تعمم بيننا عقيدة زائفة هى أننا نصل إلى آخر أنفاسنا الحيوية فى هذه السن، وأن من الحكمة أن نستكين ونركد ونهيئ الكرسى المسند كى نرتاح عليه ونتثاءب. مع أن هذه السن فى أوربا هى سن النضج والإيناع. وهناك شبان فى الستين والسبعين نراهم يلعبون فى مرح فى الملاعب الرياضية فى جميع مدن أوربا ويمتازون بعضلات مفتولة وبطون ضامرة وعيون صافية.
وقد ألف أحد الأمريكيين قبل سنوات كتابًا بعنوان "الحياة تبدأ فى الأربعين" فرد عليه إنجليزى آخر بكتاب بعنوان «الحياة تبدأ فى الخمسين» وكان هذا الإنجليزى يقول لزميله الأمريكي. نحن أكثر شبابًا منكم. وكلاهما يشرح الطرق التى يجب أن يتبعها المسنون كى يعيشوا المعيشة النشيطة المثمرة، بل المعيشة الناجحة.
والمسنون فى مصر — من الجنسين — جديرون بأن يحيوا ويستمتعوا بحياتهم. وعلى جمهورنا أن يكف عن مطالبتهم بهذا الوقار الكاذب الذى يحمل المسن على ألا يلعب أو يتنزه أو ينشط نشاط الشبان. فإن كثيرًا من ركود المسنين فى مصر وترهلهم نفسًا وجسمًا يعود إلى هذا الوقار الزائف الذى يجيز لهم التعفن على الكراسى فى القهوة، ولا يجيز لهم الوثب والجرى فى الملعب أو على الشاطئ.
وما يحتاج إليه كل منا عندما نبلغ الستين إنما هو أن نتحدى الشيخوخة ولا نستسلم لها. وذلك بأن نعد الجسم والذهن والعاطفة لنشاط لا يركد. وصحيح أن هذا النشاط قد يبطؤ. ولكن العدو الذى يجب أن نكافحه هو هذا الركود الآسن الذى نركن إليه فيما يشبه لذة الموت، كارهين لثقافة الذهن والجسم، قانعين بالاستقرار دون الاستطلاع حتى تبلى العواطف وتموت. وما الإنسان إذا لم يستمتع بنشاط الجسم والذهن والعاطفة؟.