نقرأ معا كتاب "مقاتلون فى سبيل الله.. صلاح الدين الأيوبى وريتشارد قلب الأسد والحملة الصليبية الثالثة" لـ جيمس ريستون، ويتحدث فيه عن الفترة التاريخية التى انتهت بصلح بين صلاح الدين وريتشارد عن القدس، والمعروف بـ صلح الرملة، ونذكر هنا بعض ما قاله الكتاب عن طفولة "ريتشارد قلب اللأسد".
يقول الكتاب:
فى سنة 1152 تزوجت إليانور من هنرى الثانى ملك إنجلتراـ بعد طلاقها من ملك فرنسا، وانضمت بذلك دوقية أكيتان إلى المملكة الإنجليزية، وكان هنرى الثانى رجلا قوى الجسد، شديد القسوة وواسع الطموح، ويستطيع أن يقود نسبه إلى نوح نفسه، ولهذا فقد كان ملائما لإليانور العنيفة أكثر بكثير من لويس.
وبالزواج من هنرى بدأ الصبيان الذكور يتوالون. ولدت إليانور أولا ويليام الذى مات طفلا، ثم جاء هنرى ثانيا، وهو الذى ثار على والده فى فتوته، وجاء ريتشارد ثالثا سنة 1157، وهو الصبى الذى صار المفضل لدى والدته، وقد جاء التعبير عن تقلبات الحظ تلك فى تنبؤات الكهان، وعلى لسان الساحرة الشهيرة مارلين والتى تنبأت أن "النسر الكسير الجناح سيسعد بفرخه الثالث".
وقد كانت تلك نبوءة غامضة ومزدوجة المعنى، فأيا تكن علاقة الأمومة الحميمة التي قامت بين إليانور وولدها الثالث، كانت تلك الأم ذات الأجنحة الجريخة موزعة الولاء بين سلالتين فى فرنسا وإنجلترا، طلقت من الأولى، وستنتهى إلى السجن فى الثانية.
قضى ريتشارد سنوات طفولته الأولى فى أكيتان مع أمه، لأن ملكه إنجلترا كانت معتادة على ثقافة البلاط فى جنوب فرنسا، شديدة الاستمتاع بحريتها، ولذلك فإنها نادرا ما عبرت القنال إلى المملكة الإنجليزية، وقد علمت ريتشارد منذ فتوته الأولى تقاليد البلاط فى الحب والتعامل مع المرأة، فالمرأة هى وجود مقدس يكون على الرجل أن يقاربها باحترام وتبجيل وحذر. فهى لا تنحدر من حواء التى اعتاد جنسها على الخدمة والهامشية، بل إن مثالها هو مريم العذراء المنتصرة، والتى بنيت على اسمها عدة كاتدرئيات فى أوروبا فى القرن الثانى عشر.
وإذا كانت إليانور قد فضلت فرنسا على إنجلترا، فإن ممتلكات ملك إنجلترا هنرى الثانى فى القارة شغلته كثيرا فى تلك السنوات التى كان فيها ريتشارد يمضى من الطفولة إلى الفتوة. فقد كانت أحداث تمرد البارونات الصغار على مليكهم لا تتوقف. كما أن العلاقات مع ملك فرنسا لويس السابع، زوج إليانور الأول، لم تكن جيدة، بيد أن المثير والطريف أن ما إن نجح الملك هنرى بعد اثنتى عشرة سنة من الاضطراب فى إخضاع الثائرين، وفى عقد سلام مع ملك فرنسا سنة 1169، حتى بدأ أولاده واحدا بعد آخر يثورون عليه، وبحملون السلاح ضده، فى هذه الفترة كانوا يخطون من الفتوة إلى الرجولة.