يعتبر الفيلسوف هيجل، أهم مؤسسى المثالية الألمانية فى الفلسفة فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادى، طور المنهج الجدلى الذى أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما، كان هيجل آخر بناة "المشاريع الفلسفية الكبرى" فى العصر الحديث، حيث كان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة.
يرى الكثيرون أن أعمال هيجل غامضة وشديدة التعقيد، غير أن أهميته وتأثيره لا يستطيع أحد إنكارهما. فلم يكن لأى من فلاسفة القرنين التاسع عشر والعشرين التأثير العظيم الذى أحدثه هيجل، والاستثناء الوحيد المحتمل لهذا التعميم هو كارل ماركس، الذى تأثر هو نفسه تأثرا كبيرا بهيجل، ولولا هيجل، لم تكن أى من التطورات الفكرية أو السياسية التى طرأت على مدار المائة والخمسين عاما الأخيرة لتسلك المسار الذى اتخذته، وفى هذا الكتاب من سلسلة "مقدمة قصيرة جدا"، يقضى بيتر سينجر على أى عذر لدى القارئ يبقيه على غير علم بأسس فلسفة هيجل، وذلك من خلال تقديمه مناقشة عامة لأفكاره وأهم أعماله.
ويشير المؤلف إلى أنه لم يحدث أى من فلاسفة القرنين التاسع عشر والعشرين تأثيرا عظيما فى العالم كالذى أحدثه هيجل، والاستثناء الوحيد المحتمل لهذا التعميم هو كارل ماركس، الذى تأثر هو نفسه تأثرا كبيرا بهيجل، ولولا هيجل، لم تكن أى من التطورات الفكرية أو السياسية التى حدثت على مدار المائة والخمسين عاما الأخيرة لتسلك المسار الذى اتخذته.
إن تأثير هيجل وحده يجعل من المهم فهم فلسفته، لكن فلسفته فى جميع الأحوال تستحق الدراسة لذاتها، فقد أوصلته أفكاره العميقة إلى بعض الاستنتاجات التى تصدم القارئ المعاصر باعتبارها غريبة، بل عبثية، لكن مهما اختلفت الآراء حول تلك الاستنتاجات، تظل هناك أطروحات ورؤى فى أعماله تحتفظ بأهميتها حتى يومنا هذا، وتلك الأطروحات والرؤى هى التى ستعوض القارئ عن الجهد الذى يبذله فى محاولة فهم فلسفة هيجل، بالإضافة إلى حالة الرضا التى ستتولد لديه نتيجة نجاحه فى التغلب على التحدى الذى يمثله هيجل لقدرتنا على الاستيعاب.
وعن مفهوم الحرية لدى هيجل يذكر المؤلف أن الفيلسوف الألمانى قال فى مقدمة كتاب "فلسفة التاريخ" إن تاريخ العالم ليس إلا تقدُّم الوعى بالحرية، ويضيف هيجل — بعد بضعة أسطر — أن مصطلح "الحرية" هو "مصطلح غير محدد وغامض بصورة هائل وعرضة لوقوع حالات لا حصر لها من سوء الفهم والالتباس والأخطاء"، للأسف، يمتنع هيجل عن تقديم تعريف أوضح من ذلك، قائلا بدلا من ذلك إن الطبيعة الأساسية للحرية ستظهر فى عملية تفسير تاريخ العالم، لكن هذا لا يكفى تمامًا، قد تكون دراستنا لكتاب "فلسفة التاريخ" أعطتنا لمحة عن رؤية هيجل للحرية، لكن إن صح هذا، فهى لمحة تستلزم على نحو سريع شرحًا إضافيًّا لتعليقات هيجل الأكثر وضوحًا عن الأمر فى كتابه "فلسفة الحق".
وحول تأثيره، يرى المؤلف أنه بعد وفاة هيجل، انقسم من كانوا يعتبرون أنفسهم أتباعه إلى معسكرين، اتبع الهيجليون التقليديون أو "اليمينيون" الأسلوب الذى اتبعه هيجل فى سنواته الأخيرة، ووفقوا بين آرائه الدينية والمسيحية البروتستانتية، وقبلوا وجهة النظر الإيجابية عموما عن دولة بروسيا التى عبر عنها هيجل فى كتابه "فلسفة الحق"، لم يتمخض عن هذه المدرسة الهيجلية المحافظة أى مفكرين كبار، وبعد أن ظلت فلسفةُ هيجل لبضع سنوات الفلسفةَ شبه الرسمية فى برلين، تدهورت بشدة حتى تم هجرها فى ألمانيا فى ستينيات القرن التاسع عشر.
أما المعسكر الآخر فكان مختلفًا تمامًا، وكان يتكون من مجموعة من الشباب ذوى الميول الراديكالية، وكان موقفهم من هيجل مثل موقف هيجل من كانط، فكما رأى هيجل مبدأ كانط بشأن الشيء فى ذاته بوصفه عجزًا عن استكمال الدلالات الراديكالية لفلسفته، كذلك رأى تلاميذ هيجل هؤلاء قبول هيجل للمسيحية ودولة بروسيا والأحوال العامة لعصرهم بوصفه عجزًا عن استكمال الدلالات الراديكالية لفلسفته، أصبحت هذه المجموعة معروفة باسم "الهيجليون الشباب" أو "الهيجليون اليساريون"، وشكَّل هؤلاء مستقبل الحركة الهيجلية.