تمر اليوم ذكرى مقتل مسلم بن عقيل ابن عم الحسين بن على وسفيره، مقتل هانئ بن عروة أحد أصحاب على بن أبى طالب ومن وجهاء الكوفة وممن ناصروا مسلم بن عقيل وثورة الحسين، إذ قتل فى 10 سبتمبر عام 680م، الموافق عام 60 هجريا.
وكان عبيد الله بن زياد، والى يزيد بن معاوية حريص على حصر الفئات المعارضة، وبالأخص تلك الفئات التى تساعد مسلم بن عقيل سفير الحسين، وعمل على مجموعة من الإجراءات لضبط الوضع الأمنى فى الكوفة، وكذلك نجح فى عرقلة خطط مسلم بن عقيل حيث اختلت خططه وترتيباته بسبب هذه الإجراءات الصارمة، ثم استطاع أن يوقع بهانيء بن عروة مستضيف مسلم، وقام بحبسه فى قصره، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج بأربعة آلاف وحاصر قصر عبيد الله بن زياد وخرج أهل الكوفة معه، وكان عند ابن زياد فى ذلك الوقت أشراف الكوفة، فقال لهم : خذلوا الناس عن مسلم ووعدهم بالعطايا، وخوفهم بجيش الشام.
فصار الأمراء يخذلون الناس عن مسلم، وتأتى المرأة إلى ولدها وتأخذه، ويأتى الرجل إلى أخيه ويأخذه، ويأتى أمير القبيلة فينهى الناس عنه، حتى لم يتبق معه إلا ثلاثون رجلًا من أربعة آلاف، وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ذهب كل الناس عنه، وبقى وحيدًا يمشى فى طرقات الكوفة لا يدرى أين يذهب، فطرق الباب على امرأة من كندة وطلب منها الماء فأسقته، وأخبرها عن حاله وكشف لها عن اسمه، واشتكى لها بمرارة من خيانة أهل الكوفة له، فرقت لحاله ثم أدخلته فى أحد غرف بيتها، فلما قدم ولدها أخبرته بما حصل، وطلبت منه ألا يخبر أحدًا إلا أنه ذهب إلى محمد بن الأشعث فأخبره الخبر، وذهب الأخير إلى عبيد الله بن زياد وأخبره بأمر مسلم، فأرسل ابن زياد الشُرط إلى مسلم، فخرج وسل سيفه وقاتل، إلا أنهم تمكنوا من أسره بعد معركة قصيرة بعدما جُرح.
فلما أتى به إلى ابن زياد أخبره أنه سيقتله، وعندما أحس بحزمه خشى على الحسين بن على الذى كان فى طريقه إلى الكوفة، وطلب منه أن يوصي، فنظر مسلم فى جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبى وقاص، فدعاه إلى ناحية القصر وطلب منه أن يبعث إلى الحسين فقال: "يا عمر، إن حسينًا قدم ومعه تسعون إنسانًا بين رجل وامرأة فى الطريق إلى الكوفة، فاكتب إليه بما أصابنى"، وقال كذلك كلمته المشهورة: "ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبونى وليس لكاذب رأى" وطلب منه أن يدفن جثته، ويقضى عنه دينه. ثم أمر ابن زياد به فقتل. وقتل كذلك هانئ بن عروة وصلبه فى السوق، واثنين من مناصرى مسلم وصلبهما كذلك فى السوق، وكان مقتل ابن عقيل فى يوم 9 ذى الحجة سنة 60 هـ.
ولما قتل مسلم وهانئ، وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيش عمر بن سعد، وقالوا: "عرض عليكم ابن بنت رسول الله "ص" ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟"، كما انضم الحر بن يزيد الرياحى إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.
وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحمل عمرو بن الحجاج الزبيدى على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين. ثم حمل عمرو بن الحجاج فى أصحابه على الحسين من ناحية الفرات فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، ثم حمل شمر بن ذى الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأى الحصين بن نمير السكونى - وكان على الرماة - صبر أصحاب الحسين تقدم إلى أصحابه - وكانوا خمسمائة نابل - أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ فى المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر.
فقتل من أهله بيته ابنه على الأكبر، وأخوته: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأبناء أخيه الحسن: القاسم وأبو بكر وعبد الله، وبنو عقيل: جعفر بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل، وأبناء عبد الله بن جعفر الطيّار: عون ومحمد.