لم يكن أمر الدعوة المحمدية سهلا، لقد عانى النبى عليه الصلاة والسلام، حتى أن مشركى قريش قد تطاولوا عليه، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ بن كثير، تحت عنوان "فصل أشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم":
قال البخارى: حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنى الأوزاعى، عن يحيى بن أبى كثير، عن محمد بن إبراهيم التيمى، حدثنى عروة بن الزبير.
سألت ابن العاص فقلت: أخبرنى بأشد شىء صنعه المشركون برسول الله؟
قال: بينما النبى ﷺ يصلى فى حجر الكعبة، إذ أقبل عليه عقبة بن أبى معيط، فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر رضى الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبى ﷺ وقال: "أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّى اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ" المؤمنين: 28.
تابعه ابن إسحاق قال: أخبرنى يحيى بن عروة، عن أبيه قال: قلت لعبد الله بن عمرو.
وقال: عبدة، عن هشام، عن أبيه قال: قيل لعمرو بن لعاص.
وقال: محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، حدثنى عمرو بن العاص..
قال البيهقي: وكذلك رواه سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، كما رواه عبدة.
انفرد به البخاري.
وقد رواه فى أماكن من (صحيحه)، وصرَّح فى بعضها بعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أشبه لرواية عروة عنه، وكونه عن عمرو أشبه لتقدم هذه القصة.
وقد روى البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس، عن محمد بن إسحاق: حدثنى يحيى بن عروة، عن أبيه عروة.
قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله ﷺ فيما كانت تظهره من عداوته؟
فقال: لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر، فذكروا رسول الله ﷺ.
فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم - أو كما قال - قال: فبينما هم فى ذلك، طلع رسول الله ﷺ فأقبل يمشى، حتى استلم الركن، ثم مرَّ بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك فى وجه رسول الله ﷺ، فمضى.
فلما مرَّ بهم الثانية، غمزوه بمثلها، فعرفتها فى وجهه، فمضى فمرَّ بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها.
فقال: «"أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذى نفسى بيده لقد جئتكم بالذبح".
فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع حتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه أحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف أبا القاسم راشدا، فما كنت بجهول.
فانصرف رسول الله ﷺ، حتى إذا كان الغد اجتمعوا فى الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه.
فبينما هم على ذلك طلع رسول الله ﷺ فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذى تقول كذا وكذا؟
لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم.
فيقول رسول الله ﷺ: "نعم أنا الذى أقول ذلك" ولقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر يبكى دونه ويقول: ويلكم "أتقتلون رجلا يقول ربى الله" ثم انصرفوا عنه.
فإن ذلك لأكبر ما رأيت قريشا بلغت منه قط.