"لا كرامة لنبى فى قومه" عبارة ذكرت فى الكتاب المقدس، وتعنى أن الشخص لا يلقى الاحترام والتقدير من قومه بل من الآخرين، وربما هذه المقولة تنطبق تماما على الزعيم أحمد عرابى، الذى رغم وقوفه فى وجه الملك، ورفضه التدخل الأجنبى، بل وحارب الإنجليز وانتصر عليهم أولا قبل أن يهزم بسبب الخيانة فى الإسماعيلية، إلا أن البعض لا يزال يتمسك باتهامه بأنه سبب احتلال مصر، وتمر اليوم الذكرى الـ138 على هزيمة القوات المصرية بقيادة الزعيم أحمد عرابى، على يد الجيش البريطانى فى معركة التل الكبير بالإسماعيلية، والتى مهدت لدخول الإنجليز إلى القاهرة، وبداية عهد من الاستعمار استمر لمدة 72 عاما أخرى.
ولعل من أرخ لتلك الفترة هاجم عرابى كثيرا حتى أنهم وصفوا الثورة العرابية بـ"هوجة عرابى"، كما أن معظم المؤرخين راح يشكك فى واقعة قصر عابدين ويصفون عرابى بـ"المتعجل للحكم"، بل واتهمه آخرون بأنه كان سبب احتلال مصر لأكثر من 70 عامًا.
الزعيم مصطفى كامل كتب مهاجما عرابى فى جريدته اللواء: "ما عار الاحتلال، وعار الجهالة والتأخر والفقر بشىء يُذكر إذا قورن بالعار الذى يحمله عرابى، ويقرأه الناس على وجهه أينما سار وحيثما حل، وأى عار أكبر وأشهر من عار رجل تهور جبانًا واندفع جاهلاً، وساق أمته إلى مهواة الموت الأدبى، والاستعباد الثقيل ثم فر هاربًا من ميادين القتال، وتوسل إلى عدوه المحارب أن يعفو عنه، وأبت عليه نفسه أن يموت فى منفاه، وألا يرجع إلى وطن هو مرجع شقائه".
الدكتور يوسف زيدان، قال إن أحمد عرابى لم يقف أمام الخديو توفيق ولم يره، بل إنه كان سببًا فى دخول الاحتلال البريطانى لمصر وبقائه فيها لمدة 70 عامًا، لأنه كا متسرعًا وكان يريد أن يحكم، مشيرا إلى أن المعلومات التاريخية المغلوطة شوشت عقول المصريين، فعرابى لم يقف مثل الفأر أمام الخديو توفيق، ولم يره من الأساس، والمعلومات، التى يتم تدريسها فى المدارس مغلوطة.
الزعيم مصطفى كامل شنَّ حملة بالغة العنف والقسوة ضد عرابي، متهماً إياه بالجهل والدروشة، وأن أحمد لطفى السيد كان يرى أن عرابى قام بثورة لا داعى لها، كانت مبرراً للاحتلال الإنجليزى لمصر، للقضاء على التمرد العسكرى بقيادة عرابي، حتى أمير الشعراء أحمد شوقى هجا عرابى عندما عاد من منفاه عام 1901، قائلاً: صغار فى الذهاب والإياب/ أهذا كل شأنك يا عرابي
هكذا أصبحت النظرة لعرابى "سبب الاحتلال البريطانى لمصر" حسبما يرى أعداؤه، بعد هزيمته فى معركة التل الكبير أمام القوات البريطانية، والتى تحل اليوم ذكراها الـ137، إذ وقعت المعركة فى 13 سبتمبر عام 1882م.
الغريب أن المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، أحد المقربين فكريا من الزعيم مصطفى كامل، ذكر فى كتاب "الثورة العرابية و الاحتلال الانجليزى"، أن الجيش البريطانى بقيادة الجنرال ولسلى، بدأ التأهب للتحرك فى مساء يوم 12 سبتمبر، وفى الثانية عشر صباحا تحركت القوات، وأعطى الجنرال ولسلى تعليماته بأن تطفأ الأنوار أثناء السير، حتى لا يشعر العرابيون بزحفه، وكان يتقدم الجيش البريطانى بعد رجال الأسطوال الذين لهم دراية بالاسترشاد بالنجوم لمعرفة خط السير فى الصحراء، ولكن هؤلاء لم يكن فى استطاعتهم الاهتداء إلى مسالك الصحراء، بل كان المرشدون الحقيقون لفيفا من أتباع "حزب الخديوى" حسبما ذكر المؤلف، وأمامهم عربان الهنادى ممن اشترى الإنجليز ذممهم واتخذوهم عيونا لهم وجواسيس.