هاجر المسلمون إلى الحبشة فرارا من عذاب كفار قريش، ولأن هناك ملك لا يظلم عنده أحد، لكن ماذا عن النجاشي، هل دخل الإسلام أم أنه ظل على دينه، هذا ما سنعرفه من وجهة نظر التراث الإسلامى.
يقول كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "فصل كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى":
قال البيهقى فى (الدلائل): باب ما جاء فى كتاب النبى ﷺ إلى النجاشى، ثم روى عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس، عن ابن إسحاق قال: "هذا كتاب من رسول الله ﷺ إلى النجاشى الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإنى أنا رسوله فأسلم تسلم.
"يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك.
هكذا ذكره البيهقى بعد قصة هجرة الحبشة وفى ذكره ههنا نظر، فإن الظاهر أن هذا الكتاب إنما هو إلى النجاشى الذى كان بعد المسلم صاحب جعفر وأصحابه، وذلك حين كتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله عز وجل قبيل الفتح، كما كتب إلى هرقل عظيم الروم قيصر الشام، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى صاحب مصر، وإلى النجاشى.
قال الزهرى: كانت كتب النبى ﷺ إليهم واحدة، يعنى نسخة واحدة، وكلها فيها هذه الآية وهى من سورة آل عمران، وهى مدنية بلا خلاف فإنه من صدر السورة، وقد نزل ثلاث وثمانون آية من أولها فى وفد نجران كما قررنا ذلك فى التفسير، ولله الحمد والمنة.
فهذا الكتاب إلى الثانى لا إلى الأول، وقوله فيه إلى النجاشى الأصحم لعل الأصحم مقحم من الراوى بحسب ما فهم، والله أعلم.
وأنسب من هذا ههنا ما ذكره البيهقى أيضا عن الحاكم، عن أبى الحسن محمد بن عبد الله الفقيه - بمرو - حدثنا حماد بن أحمد، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق قال: بعث رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشى فى شأن جعفر بن أبى طالب وأصحابه، وكتب معه كتابا: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشى الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته، كما خلق آدم بيده ونفخه.
وإنى أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعنى فتؤمن بى وبالذى جاءنى، فإنى رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمى جعفرا، ومعه نفر من المسلمين فإذا جاؤوك فأقرهم ودع التجبر، فإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى".
فكتب النجاشى إلى رسول الله ﷺ: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله من النجاشى الأصحم بن أبجر، سلام عليك يا نبى الله من الله ورحمة الله وبركاته لا إله إلا هو الذى هدانى إلى الإسلام، فقد بلغنى كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت.
وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقا ومصدقا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين.
وقد بعثت إليك يا نبى الله بأربحا بن الأصحم بن أبجر، فإنى لا أملك إلا نفسي، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله فإنى أشهد أن ما تقول حق".