نتناول اليوم كتاب "التصوف: الثورة الروحية فى الإسلام" لـ أبو العلا عفيفى، وهو كتاب قديم بعض الشيء، ظهر فى ستينيات القرن الماضى، لكن أعادت مؤسسة هنداوى نشره، والكتاب مهم بسبب موضوعه الذى يشغل بال كثير من المسلمين وغير المسلمين.
يقول الكتاب تحت عنوان "الأصل التاريخى والاشتقاقى لكلمتى تصوف وصوفى" ذهب جمهور المؤلفين فى التصوُف إلى أن هاتَين الكلمتين من الكلمات المستحدَثة فى الملَّة الإسلامية وأن البغداديين هم الذين استحدثوهما، ولم يشذَّ عن هذا الاجتماع — فيما نعلم — إلا أبو نصر السراج صاحب كتاب اللُّمع، الذى يذهب إلى أن اسم الصوفى أقدم من البغداديِّين.
وقد استدل القائلون بأن اسم "الصوفى" مُستحدَث بأنه لم يكن من الألقاب التى أُطلقت على الصحابة فى عهد الرسول، فإنهم لم يُميِّزهم عن غيرهم سوى صحبة الرسول، وكذلك لم يتَّسم أهل الجيل الثانى باسم سوى "التابعين" وذلك لأنَّ الإقبال على الدين والزهد فى الدنيا فى هذين الجيلين كانا عامَين بين المسلمين، فلم تكن هناك حاجة إلى اسمٍ خاص يَمتاز به الرجل التقى.
ولكن لما فشا الإقبال على الدنيا — كما يقول ابن خلدون — وجنح الناس إلى متاع هذه الحياة، دعَتِ الحاجة إلى وجود صفة يَمتاز بها بعض الخواص الذين كانت لهم عناية بأمر الدين، وكذلك اشتدَّت هذه الحاجة لما ظهَرت الفرق الإسلامية وادَّعى أصحاب كل فرقة أنهم على حق وأن فيهم العبَّاد والزهاد. هنالك ظهرت هذه التسمية وانفرد بها المقبلون على العبادة واشتهر هذا الاسم قبل المائتَين.
يقول ابن تيمية فى رسالة "الصوفية والفقراء"، أما لفظ الصوفى فإنه لم يكن مشهورًا فى القرون الثلاثة الأولى، وإنما اشتهر التكلُّم به بعد ذلك، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام ابن حنبل (المُتوفَّى سنة 241، وأبى سليمان الدارانى (المُتوفَّى سنة 235) وغيرهما، فقد رُوى أن ابن حنبل كان يسأل الحارث المحاسبى (المُتوفَّى سنة 242) فى بعض المسائل ويقول: ما تقول فيها يا صُوفى؟"
وظاهر من عبارة ابن تيمية أنه يُشير إلى انتشار اسم الصوفية لا إلى أول زمن استعماله.
ويقول الأستاذ ماسنيون فى المقال الذى كتبه فى دائرة المعارف الإسلامية عن مادة "تصوف" ما خلاصته: أنَّ التلقيب بالصوفى مفردًا ظهر فى التاريخ فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى وسُمِّى به جابر بن حيان الكوفى صاحب الكيمياء الذى كان يدعو إلى مذهبٍ خاصٍّ فى الزهد، وأبو هاشم الكوفى (الصوفي).
أما كلمة الصوفية بالجمع فظهرت حوالى سنة 199 هجرية، وكانت تدل فى ذلك الوقت على أصحاب مذهبٍ يَكاد يكون شيعيًّا من مذاهب التصوُّف ظهر فى الكوفة، وكان عبدك الصوفى آخر أئمته، تُوفِّى عبدك فى بغداد سنة 210 هجرية.