بعد وفاة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، بدأ ما يعرف بعصر الفتوحات الإسلامية، وهى عدة حروب خاضها المسلمون ضد بيزنطة والفرس والبربر والقوط فى السنوات ما بين (632–732) فى العهدين الراشدى والأموي، كان من نتائج الغزوات سقوط مملكة الفرس وفقدان البيزنطيين لإقاليمهم فى الشام وشمال أفريقيا ومصر نشر الإسلام ونشر اللغة العربية معه ومن ثم ظهور الحضارة العربية الإسلامية.
وفى عصر أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب، كان عهد الفتوحات الكبرى، إذ أتم المسلمون فتح الشام، واستطاعوا فتح بيت المقدس "القدس"، واستكملوا طريقهم إلى أفريقيا بفتح مصر، وسقوط حصن بابليون آخر معاقل الدولة البيزنطية فى مصر.
لكن ربما واجه المسلمون العديد من المصاعب والأزمات، عطلت الفتوحات، وكادت تقضى على أحلام المسلمين فى تحقيق فتوحات كبرى، وكانت من ضمن هذه المصاعب هى الأوبئة والأمراض.
وبحسب كتاب " عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" تأليف سوزان سكوت وكريستوفر دنكان، وترجمة فايقة جرجس حنا، كان الطاعون معروفًا لدى شُعوب الشرق الأوسط قبل الموت الأسود بوقت طويل؛ ومن ثَمَّ أدرك الناس المرض لدى معاودته الظُّهور فى منتصف القرن الرابع عشر. كان طاعون جستينيان إحدى الضربات المبكرة، بإمكان المسلمين تذكر التاريخ المرعب للمرض من فُتوحاتهم للشرق الأوسط فى القرن السابع. تذكر السجلات التاريخية أنه حدثت خمس فاشيات كبرى فى التاريخ الإسلامي، وبدأت الضربة الأولى عام ٦٢٧ ميلاديًّا، وقضى نحو ٢٥٠٠٠ جندى مسلم نحبهم عام ٦٣٨ ميلادية فى الوباء الثانى الذى كان منتشرًا فى سوريا وممتدًّا حتى العراق ومصر. أُطلق على ضربة الطاعون التالية الطاعون العنيف لأنها اجتاحت البصرة «كالطوفان» عام ٦٨٨ ميلادية، وضرب الطاعون الرابع الكبير هذه المدينة مرة أخرى عام ٧٠٦ ميلاديًّا. عانت العراق وسوريا من «طاعون النخبة» عام ٧١٦ ميلاديًّا، وكانت سوريا تتعرض لموجات تفشٍّ أخرى كلَّ عشر سنوات تقريبًا فى الفترة ما بين عامى ٦٨٨ و٧٤٤ ميلاديًّا.
عندما اجتاحت الأوبئة الإمبراطورية الإسلامية الأولى، استجاب المسلمون للخطر، فسَعَوْا إلى تفسير هذه الأوبئة ومعالجة الضحايا، كان للأوبئة دلالات دينية خاصة بسبب تنبؤ النبى محمد بها، حتى إنها حددت التوجهات الثقافية للمجتمع الإسلامى التقليدي، تكشف السجلات التاريخية لهذه الجائحات أنها كانت مشابهة للموت الأسود (الذى تفشى بعدها ﺑ ٦٠٠ عام) من حيث انتقال عدواها ومن حيث العواقب الاجتماعية والاقتصادية ومعاودة الظهور الدورية.
من الواضح أن الطاعون النزفى كان موجودًا ونشطًا ويقوم بعمله على أكمل وجه فى معقِله ببلاد الشام والشرق الأوسط لمئات السنين قبل الموت الأسود. وكما هو الحال دائمًا، كان ينتقل عن طريق التجارة.