يقول إدواردو جاليانو، فى كتابه "كرة القدم بين الظل والشمس" الذى ترجمه صالح علمانى، إن كرة القدم، مرآة للعالم، وهى تقدم ألف حكاية وحكاية مهمة، فيها المجد والاستغلال والحب والبؤس، وكتب تحت عنوان "اللاعب":
يركض لاهثا على شفير الهاوية، فى جانب تنتظره سماوات المجد، وفى الجانب الآخر هوة الدمار.
الحى الشعبى الذى خرج منه يحسده بأسره، فاللاعب المحترف قد نجا من العمل فى المصنع أو المكتب، إنهم يدفعون له من أجل توفير التسلية، لقد ربح اليانصيب. وبالرغم من أنه يتوجب عليه أن ينضح عرقا، دون أن يكون له الحق فى التعب أو الخطأ، فإنه يظهر فى الصحف وفى التليفزيون، وتردد الإذاعات اسمه، والنساء يتنهدن من أجله، والأطفال يريدون تقليده، أما هو الذى يلعب من أجل متعة اللعب، فى الشوارع الترابية للأحياء الهامشية، فقد صار يلعب الآن فى الاستادات الكبرى من أجل واجب العمل، وهو مجبر على الربح.
رحال الأعمال يشترونه، يبيعونه، يعيرونه، ويسلم هو قياده لهم مقابل الوعد بمزيد من الشهرة ومزيد من المال، وكلما نال شهرة أكبر، وكسب أموالا أكثر، يصبح أسيرا أكثر، إنه يخضع لانضباط عسكرى صارم، ويعانى كل يوم عقوبة التدريب القاسة، ويخضع لقصف المسكنات وتسلل الكورتيزون الذى ينسيه الألم ويزيف حقيقة حالته الصحية. وعشية المباريات المهمة يحبسونه فى معسكر اعتقال حيث يقوم بأعمال شاقة، ويأكل أطعمة غبية، وينام وحيدا.
فى المهن الإنسانية الأخرى يأتى الغروب مع الشيخوخة، أما لاعب كرة القدم، فقد يشيخ وهو فى الثلاثين من عمره، لأن العضلات تتعب باكرا، وعندئذ تسمع من يشير إلى قائلا:
- هذا لا يمكنه أن يسجل هدفا فى ملعب يميل نزولا.
- هذا؟ لن يسجل هدفا حتى ولو قيدوا له يدى حارس المرمى.
وقد يشيخ لاعب كرة القدم قبل الثلاثين، إذا ما أفقدته كرة القدم صوابه، أو إذا ما مزق سوء الحظ إحدى عضلاته، أو كسرت ركلة إحدى عظامه التى لا سبيل إلى إصلاحها، وفى يوم مشئوم يكتشف اللاعب أنه قد قامر بحياته وأن المال قد تبخر وتبخرت معه الشهرة أيضا، فالشهرة سيدة محترمة ومراوغة، لم تترك له حتى رسالة عزاء صغيرة.