نشاهد طوال الوقت الكثير من المتعصبين فى كرة القدم، نستغرب تصرفاتهم، البعض يفهم دوافعهم والبعض ينكرها، لكن ما الذى يقوله عنهم "إواردو جاليانو" فى كتابه "كرة القدم بين الظل والشمس" الذى ترجمه صالح علمانى؟
المتعصب هو المشجع فى مشفى المجانين، فنزوة رفض ما هو جلى أغرقت العقل وكل ما يشبهه، وتمضى مع التيار بقايا الغريق فى هذه الميا التى تغلى، وهى هائجة على الدوام بغضب لا هدنة فيه.
يصل المتعصب إلى الملعب ملتحفا راية ناديه، ووجهه مطلى بألوان القميص المعبود، مسلحا بأدوات مقعقعة وحادة، وبينما هو فى الطريق يكون قد بدأ بإثارة الكثير من الصخب والشجار. وهو لا يأتى وحده مطلقا. ففى وسط السبيكة الباسلة، أم أربع وأربعين الخطرة، يتحول الخائف إلى مخيف، والمهان إلى مهين للآخرين.
القوة الكلية يوم المباراة تخالف الإذعان فى بقية الأسبوع، والفراش دون رغبة، والوظيفة دون ميل أو اللاوظيفة، فيكون لدى المتعصب الكثير من الثارات حين يتحرر يوما كل أسبوع.
إنه ينظر إلى المباراة وهو فى حالة الصرع تلك، ولكنه لا يراها، فما يهمه هو المدرجات. لأن ميدان معركته فى المدرجات، ومجرد وجود مشجع للنادى الآخر يشكل استفزازا لا يمكن للمتعصب أن يتقبله.
الخير ليس عنيفا، ولكن الشر يجبره على ذلك. والعدو دائما مذنب، ويستحق لوى عنقه. ولا يمكن للمتعصب أن يسهو لأن العدو يترصد فى كل مكان. فقد يكون ضمن المشاهدين الصامتين أيضا، وقد تصل به الوقاحة فى أى لحظة إلى إبداء رأيه بأن فريق الخصم يلعب لعبا صحيحا، وعندئذ يحصل على ما يستحقه.