ترك لنا المصريون القدماء ميراثا حضاريًا وفكريًا كبيرًا، على المستوى الثقافى والفنى، لكن أيضا على المستوى الدينى ترك لنا الأجداد أفكارا دينية عظيمة، يكفى أنهم كانوا أول الموحدين فى التاريخ، وكذلك ترك الفراعنة ميراثًا دينى للتعامل ومنها ترانيم اخناتون الذى كان متصوفا على الرغم من أخطائه فى الحكم وإدارة الدولة وقتها، ولكن العلماء يؤكدون أن اخناتون هو مؤسس التصوف، ومنها إلى الرهبنة التى تحمل التصوف والتعبد، وكذلك زنون أول متصوف إسلامي، فان التصوف متوارث من القدم.
قاد "أمنحوتب الرابع"، أو "إخناتون"، ذلك الملك الشاب ثورة الإصلاح الدينى فى الأسرة الثامنة عشرة لتوحيد شعبه حول عبادة إله واحد فقط، "آتون"، فى خضم تأملاته الفكرية والروحية، التى كانت غريبة على كهنة الإله "آمون" بمركز القيادة فى طِيبة عاصمة مصر القديمة.
يذكر الباحث ياروسلاف تشيرنى، فى كتابه "الديانة المصرية القديمة"، أن مبادرة إخناتون الروحية استهدفت تشييد ديانة شعبية تحظى بقبول كل شعوب الإمبراطورية، وذلك بتجريدها من الملامح المصرية البحتة، وكان دافعه فى ذلك حماسه الدينى النقى.
رسم إخناتون شكل عبادته الجديدة بعدما انتقل إلى عاصمته الجديدة "أخيتاتون"، وموقعها الحالى منطقة "تل العمارنة" فى محافظة المنيا جنوبى مصر، آليًا على نفسه أن لا يغادرها مرة أخرى، فكانت ملاذًا لتأملاته الروحية وعبادته الزاهدة فى كل شيء، دون أن يبذل أى جهد أو يهتم بما يحدث للممتلكات المصرية فى سوريا وفلسطين، التى كانت على حافة الانهيار تحت ضغط الهجمات التى لا تتوقف من الأعداء.
كثيرون تحدثوا عن بدايات التصوف عند قدماء المصريين، ويشير الدكتور مصطفى محمود فى مذكراته إلى تأثير تصوف المصريين القدماء فى معتقداته، فيقول: "كنت أبحث لأننى أريد أن اكتشف الجديد، وحتى فى هذا الجانب وجدت أن قدماء المصريين عرفوا التصوف والإيمان والتفانى فيه وله ومن أجله".