هل فكرت من قبل فى حكم مباراة كرة القدم، وكيف ينظر إليه الجمهور، وهل هو شخص مظلوم أم أنه شخص ظالم؟ تعالوا لنتعرف على رأى الكاتب "إدواردو جاليانو" فى كتابه "كرة القدم بين الظل والشمس" الذى ترجمه صالح علمانى، فى الحكم وما يعانيه على أرض الملعب.
يقول الكتاب عن "الحكم": إنه الطاغية البغيض الذى يمارس ديكتاتوريته دون معارضة ممكنة، هو الجلاد المتكبر الذى يمارس سلطته بإيماءات أوبرا، الصفارة فى فمه، ينفخ بها رياح القدر المحتوم، ويمنح الأهداف أو يلغيها، البطاقة فى يده، يرفع ألوان الإدانة: الأصفر لمعاقبة المذنب وإجباره على الندم، والأحمر سيلقى به إلى المنفى.
ويقول الكتاب: حكَّام التماس يساعدون، لكنهم لا يأمرون، ينظرون من الخارج، الحكم وحده هو من يدخل ميدان الملعب، عمله يتلخص فى جعل الآخرين يكرهونه، يصفرون له على الدوام، ولا يصفقون له مطلقا.
لا أحد يركض أكثر منه، فهو الوحيد المضطر إلى أن يجرى طوال الوقت، مقصوم الظهر كالحصان، هذا الدخيل الذى يلهث دون راحة ما بين الاثنين والعشرين لاعبا، وتعويضا عن كل هذه التضحية، تعوى الحشود مطالبة برأسه.
منذ بداية كل مباراة وحتى نهايتها، يتعرق الحكم بغزارة، فهو مضطر إلى ملاحقة الكرة التى تذهب وتجىء بين أقدام الآخرين، مما لا ريب فيه أنه يتلهف إلى اللعب معها، ولكن هذه النعمة لا تمنح إليه مطلقا، وعندما تمس الكرة جسده، بصورة عرضية، يشتمه الجمهور، ويتحمل هو الشتائم وصفير الاستنكار، والرجم بالحجارة واللعنات.
فى بعض الأحيان، وهى أحيان نادرة، يتوافق أحد قرارات الحكم مع مشيئة المشجع، ولكنه لا يتمكن رغم ذلك من إثبات براءته.
المهزومون يخسرون بسببه والفائزون يربحون رغما عنه، إنه علة كل الأخطاء، وسبب كل النكبات، ولو لم يكن موجودا لابتدعه المشجعون، وكلما كرهوه أكثر كلما ازدادت حاجتهم إليه.
خلال أكثر من قرن كان الحكم يرتدى لون الحداد.. على من؟ على نفسه، أما الآن فإنه يخفى حداده بالألوان.