نشر موقع كونفيرذيشن "The Conversation" دراسة حول: كيف يمكن للناس تحمل قيود شديدة الصرامة ما داموا يعتقدون أنها بغير فائدة، حيث شرح فيها كيف تعامل العالم مع وباء الإنفلونزا الإسبانية مطلع القرن الماضى، وكيف تم إلزام الناس بارتداء الكمامة فى ذلك الوقت.
ودار جدل علمى من البداية حول مدى فاعلية الكمامات، لكن الأمر بدأ يتغير بعد أن اكتشف عالم البكتيريا الفرنسى شارل نيكول، فى أكتوبر عام 1918، أن الإنفلونزا أصغر بكثير من أى بكتيريا أخرى معروفة.
وسرعان ما انتشر هذا الخبر، ونشرت رسوم كاريكاتيرية تسخر من الكمامات، شبّهت استخدام الكمامات بـ"استخدام الأسوار الشائكة لإبعاد الذباب"، ورغم اكتشاف نيكول، بدأ عدد من السلطات فى إلزام الناس بارتداء الكمامات لفترات طويلة امتدت لـ3 أشهر، لكن ولايات وبلدان أخرى اكتفت بتوصية معظم الناس بارتدائها.
وتُوثق العديد من الصور الحشود الكبيرة التى ارتدت الكمامات في الأشهر التى تلت اكتشاف نيكول، لكن الكثيرين بدأوا فى فقدان الثقة فى الكمامات، واعتبروها انتهاكاً للحريات المدنية، وفقاً لتقرير نُشر فى الصفحة الأولى لصحيفة ولاية يوتا Garland City Globe، في نوفمبر عام 1918.
ويقول مؤرخون، إن الجمهور وافق على كل هذه الإجراءات مع اعتراضات قليلة فى البداية، وعلى عكس التاريخ الطويل للكوليرا، وخاصة فى أوروبا، أو الطاعون فى شبه القارة الهندية من عام 1896 إلى حوالى عام 1902، لم يندلع عنف جماعى مرتبط بالوباء.
أكد صموئيل كوهن أستاذ التاريخ بجامعة جلاسكو أن وباء الإنفلونزا الإسبانية تسبب في أكبر حزمة من القيود في الولايات المتحدة، وشمل ذلك إغلاق المدارس والكنائس والنوافير والمسارح ودور السينما والمتاجر ومحلات الحلاقة.
وكانت هناك غرامات مالية بحق السعال والعطس والبصق والتقبيل وحتى التحدث في الهواء الطلق، وتم توظيف شرطة خاصة بالإنفلونزا لإلقاء القبض على الأطفال الذين يلعبون فى الشوارع وأحيانًا حتى فى ساحات منازلهم الخلفية، وكانت القيود قاسية أيضا فى كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا، على الرغم من أنها أقل من ذلك بكثير في المملكة المتحدة وبقية القارة الأوروبية.
وفى مقاطعة ألبرت الكندية غرّمت الشرطة "العشرات" لعدم ارتدائهم الكمامات، وفى نيوساوث ويلز بأستراليا امتلأت الصحف بتقارير عن المخالفات، بعد أن أصبحت الكمامات إلزامية مباشرة، بل وحتى من يحملون النقالات لحمل المصابين بالإنفلونزا لم يكونوا يتبعون القواعد.