يتناول كتاب "أطفال داعش.. جدل الاستعادة والتأهيل والإدماج"، الصادر عن مركز المسبار للدراسات، ملف أطفال منتسبى "داعش" وعودتهم إلى بلدان والديهم، بعد طرد التنظيم من الموصل والرقة، ومقتل أفراده وهربهم، وبقاء بعض النساء والأطفال فى مخيمات خاصة، فى انتظار عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، التى انفتحت على نقاش الاستعادة، أمام خيارات ثلاثة: الأول: رافض، والثانى: مع إعادتهم بحذر، والثالث: موافق على عودتهم بشرط تأهيلهم اجتماعياً ونفسياً.
وتتباين مواقف الدول المعنية، فى تعاطيها مع ملف استعادة القاصرين وأمهاتهم، وهو تباين تغذِّى أطرافه أسباب وجيهة: بين تزايد أعداد أطفال منتسبى "داعش"، وصعوبة إجراء إثبات الهوية لهم لنسبتهم لأوطان آبائهم، وبين تعقيداتٍ سياسية وإنسانية، مرتبطة بالمنفعة المجتمعيّة، والاستغلال السياسى لقضايا "اللاجئين" و"المسَفَّرِين" واستعادتهم.
وتصنّف دراسات الكتاب تأثر أطفال منتسبى "داعش" بالأيديولوجيا الإسلاموية المتطرفة، تبعاً لدرجة انخراطهم فى "الفكر العنيف"، وتقيس مستوى استجابتهم "للتلقين المتطرِّف" عبر أمهاتهم وآبائهم المنتسبين إلى التنظيم الإرهابي.
كما يتم موازاة ذلك بالعوامل اللاحقة؛ فتدرس حالتهم الراهنة، بفحص "ظروف معيشتهم فى المخيمات"؛ وتصل ذلك بنقاشاتٍ تتسع دوائرها فى بلدان والديهم الأصليّة، فى وقتٍ ينقسم فيه الرأى العام بين الانحياز المطلق للأمن القومى ورفض فكرة الاستعادة من أصلها على "اعتبار الأطفال إرهابيين محتملين"، وبين الانحياز المطلق لحقهم فى العودة، تماشياً أو تطبيقاً لصريح القانون "ببراءتهم مما ارتكبه آباؤهم"، دون اكتراثٍ بالعقابيل.
وفى أتون الخلاف بين التيارين، يجزم الباحثون بأهمية توسيع الدراسات التى تدعم برامج التأهيل والإدماج، لعلاج خللها، وأهميّة إصلاح القوانين.
يبدو أن "نزع التطرف" من العقول يعد أصعب تحدٍ تواجهه الحكومات فى مرحلة التأهيل؛ بعد العودة أو قبلها. إذ تتعامل التنظيمات الإسلاموية الإرهابية مع أطفال منتسبى "داعش" على أنهم "جهاديون مستقبليون" وتعمل على تجنيدهم وإعدادهم على هذا النحو، لذا؛ انخرط القاصرون الذكور المنتسبون للتنظيم فى أعمال العنف فى سوريا والعراق، وجرى إقحامهم فى الصراعات الدائرة والدعاية المتطرفة.
درس الكتاب نماذج الدول على حدة، مركزًا على التباينات، فأولى التجربة الروسية اهتماماً خاصاً، بعدما تعلمت من تجاربها التاريخية الماضية جراء صراعها الطويل مع الحركات الإسلاموية فى شمال القوقاز إبان حرب الشيشان الأولى (1994-1996) والثانية (1999-2009)، وعملت الاستراتيجية الروسية على تفكيك الحاضنة الاجتماعية للإرهاب، وكانت مدفوعة بعوامل عدة يتقدمها الأمن الإقليمي، فقد وظفت تجربتها - كما يبيِّن الكتاب - "فى استعادة منتسبى أطفال داعش بدفع البلدان الحليفة لها فى آسيا الوسطى؛ وبلدان الاتحاد السوفيتى السابق؛ بحذو حذوها ومساعدتها فى استعادة أطفال المقاتلين المنتمين لها، حتى لا يتم استخدامهم ضد هذه الدول مستقبلاً، مما ينعكس على أمن المنطقة الإقليمية أو الداخل الروسي، فسكان هذه البلدان لهم الحق فى الدخول إليها دون تأشيرة مسبقة، وهو ما بدأت تستجيب له هذه الحكومات بشكل كبير".
درس الكتاب التعامل العراقى مع أطفال منتسبى "داعش" محلِّلاً وضعيتهم القانونية والدينية والسياسية، ومشيراً إلى أبرز العقبات التى تقف أمام الحكومة العراقية والجهات المختصة فى ما يتعلق بصعوبات التأهيل. وهنا تبرز معضلة أخرى مع أبناء الأيزيديات لآباء من عناصر "داعش"، فتطرح –بالتالي- مشكلة المرجعية الدينية لهؤلاء الأطفال، فى ضوء التعقيدات القانونية والدينية والنسب.
ناقش الكتاب تطور الاتفاقيات القانونية المختصة بحماية الأطفال فى أماكن النزاع المسلح، فعرض لأبرز الاتفاقيات الأممية والإقليمية، ولتجارب المنظمات الدولية والأدوار المنوطة بها، والتجارب الأوروبية فى تأهيل العائدين على المستوى التاريخي، ليستشف من ذلك أنّ الأزمة الراهنة، لا تشبه النماذج التاريخية، فى مستوى التعقيد المركّب لها، ولا فى الظرف الدولي.
حاولت الدراسات الإحاطة بمناهج التعامل النفسى مع أطفال منتسبى "داعش"، بدراسة أوضاعهم الاجتماعية والنفسية، وتقدير حجم الاضطراب الذى يعانون منه، وتصنيفهم تبعاً لمدى تأثرهم بالأفكار المتطرفة، ومن ثم تحديد مذاهب النظريات والتوجهات النفسية للتعامل معهم.
تضمن الكتاب تقريراً مترجماً عن المصادر الأولية والثانوية لمراجعة تجارب بعض القاصرين خلال وبعد تجربتهم فى دولة "داعش"، كما أشار إلى المعوقات أمام برامج التأهيل والإدماج.
يأتى الكتاب إعمالاً للجهود المبذولة فى سبيل نزع التطرف، واستكشافاً لتقاطع المناهج والتخصصات بين دراسات مكافحة الإرهاب، ومعالجة آثاره، وتحفيزاً للتفكير العام، حول كيفية تعافى الأفراد والجماعات من التعصب. يطرح هذا الملف تحديات كبيرة أمام الدول والجهات المعنية، فيضعها أمام اختبار تحدى استعادة القاصرين المنتسبين للتنظيم؛ والنظر إليهم بوصفهم ضحايا محتملين، وبين التحدى الأمنى شديد الوطأة، الذى يفرض نفسه أمام الرأى العام.