محمد عبد الرحمن يكتب : أحزان "نعمة" فى الذكرى الأولى لـ رحيل آخر فيل فى حديقة الحيوان

منذ عام مضى، وبينما كنت أتابع الأخبار على المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، وجدت خبرا بعنوان "وفاة الفيلة نعمة"، وعندما دققت في الخبر وجدته عن رحيل آخر أفيال حديقة الحيوانات بالجيزة. قرأت الأخبار، واندهشت كون حديقة الحيوان لم يكن بها إلا فيل واحد فقط، وإنها الآن بدون أفيال، وبدأت اتصور كيف كان شعور "نعمة" الفيلة الأخيرة، وكيف كانت حياتها وحيدة، كيف واجهت العالم وسط معاناة الوحدة ومرارة العزلة. كل ما كنت أعرفه عن الأفيال، إنها كائنات رقيقة المشاعر، عزيزة النفس، تقدس الحياة في مجموعات، ترى الحياة في وجود صحبة شكلا مثاليا، يواجهون معا صعوبتها ومأساتها، وحين تشعر بأن أجلها قد حان، تأخذ نفسها بعيدا عن القطيع، كي لا يراها أحد وقت الرحيل، وكأنها تستحي أن يرى أحد ضعفها ووهنها وانهيار قوتها وجبروتها أمام الموت، وعندما تذكرت ذلك علمت كم عانت "نعمة". عاشت "نعمة" 30 عاما في الحديقة، جاءت إليها أول مرة في عمر 10 سنوات، وظلت فيها عمرها كله تعانى الأمرين، مرارة العزلة بين أقران ليسوا من طبيعتها، ومرارة الوحدة، وفى هذا المكان المحدود ظلت وحيدة، ونفقت بعد إصابتها بجلطة في القلب، وكأن قلبها الرقيق لم يتحمل مزيدا من الوحدة، ولم تصل لعمر الفيلة الطبيعي في الـ 60 أو70 عاما، ربما لأن ما رأته ليس طبيعيا، فقد أخذت من بين عائلتها، ووضعت في إقامة جبرية وسط أقفاص حديدية، وعاشت عمرها كله وسط عالم لا تعرفه، وفى بيئة هي أبعد ما تكون عن بيئتها الأصلية. أتصورها كيف كانت تدخل إلى بيتها تبكي منفردة، تصيح بغضب من مرارة الأيام، اتخيلها الآن وهي ترى نفسها الكائن الوحيد المتبقي من سلالتها في هذا العالم، على الأقل في مخيلتها، تتذكر فراق الأفيال والأحبة واحدا تلو الآخر، وتتساءل دائما، كيف يكون مصيرها؟، وأتساءل أنا هل خافت من الموت، هل تصورت الخلود! بالتأكيد كرهت هذا التصور، وكانت في داخلها، ترى الخلود جنون، بل وكانت تساءل في إلحاح متى تحين ساعة الرحيل؟، ولماذا هي هنا الآن وحيدة، وتخيلت كيف رأت الوحدة رغم ما كان حولها، لأنها في النهاية رأت إنها كائن وحيد لا تستطيع أن ترى أحد مثلها، أحدا تشكوا له هموم وقسوة هذا العالم. في النهاية نفقت "نعمة"، استسلمت روحها للخلود، ونجت بنفسها من هذ العالم المجنون، رحلت وهي لا تعلم طبيعة هذا العالم، ولا أحكامه القاسية التي عانت منها.. أتمنى أن تكون شعرت بالرضا وعرفت أنها لم تكن الوحيدة التي عانت، ولن تكون الأخيرة، وأن وجودها بيننا رغم قسوته عليها كان سلوان وغيابها فراغ، وهذا وحده خلود ونجاة.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;