تمر اليوم الذكرى الـ550 على ميلاد السلطان الغازى سليم الأوّل تاسع سلاطين الدولة العثمانية الذى حكم الدولة العثمانية من سنة 1512 حتى سنة 1520، ويصف المؤرخ المصرى ابن إياس ما وقع للمحروسة بعد سقوط القاهرة: "أن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها"، ويقص ابن إياس فى الجزء الخامس من كتابه الذى يشبه اليوميات، أن سليم خان، الإمبراطور التركى، الذى اقتحم القاهرة، كان رجلا سيئ الخلق سفاكا للدماء شديد الغضب، وروى عنه أنه قال: "إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة وألعب فى أهلها بالسيف".
ومنذ دخوله البلاد رفض المصريون سياسة سليم الأول وجرائمه الدموية ضدهم، وتمردوا عليه منذ البداية وحتى نهاية حكمه، ومن أبرز المعارك والثورات التى قام بها المصريين ضد سليم الأول:
ثورة أهل القاهرة
فى القاهرة التى كان أهلها يهتفون "يا رب يا متجلى أهلك العثمانلى" فقد نالت نصيب الأسد من الذبح والتقتيل والترويع، فكان سليم قبل معركة الريدانية، التى سبق سقوط القاهرة يقول فى مجلسه: "غدًا أدخل القاهرة فأحرق بيوتها وألعب فى أهلها بالسيف"، وقد كان... فعند دخول الجند العثمانى العاصمة المملوكية اندفعوا فى شوارعها ينهبون البيوت، بحجة التفتيش عن المماليك الذين كانوا عند أسرهم يُعدَمون بالجملة، وصالوا وجالوا فى أهلها بسيوفهم ورصاصهم، وبلغوا حد اختطاف الغلمان المُرد والفسق بهم، فأحدثوا فيها مقتلة عظيمة.. كل هذا انتقامًا من اشتراك أهل القاهرة فى القتال ضد العثمانيين فى معركة الريدانية.
وعندما كر السلطان طومان باي-الذى تولى الحكم بعد مقتل الغوري- على العثمانيين ونجح فى تخليص القاهرة جزئيًا من احتلالهم، هلل له المصريون وشاركوا فى خطف وقتل الجند العثمانى وتقديم رؤوسهم لطومان باي، وأصبح مسجد "شيخو" فى شارع الصليبة مركزا للمقاومة، إلا أن العثمانيين كرّوا على المصريين واحتل الأنكشارية مآذن مسجد المؤيد وراحوا يقنصون المصريين ببنادقهم، حتى نجح بعض المماليك فى الصعود لهم وقتلهم.. وألقى سليم بثقل جيشه فى المعركة حتى نجح فى طرد طومان باى وأعوانه وإفناء المقاومين، وأطلق جنده يحرقون مسجد شيخو ويداهمون الأزهر ومسجد السيدة نفيسة والمشاهد والمساجد الأخرى، ويذبحون من يلجأ لها حاسبًا أن المسجد يعصمه من سيوف العثماني.. واستشهد فى تلك الواقعة عشرة آلاف نفس.. وأُعدِم الذين استسلموا من أمراء المماليك وألقيت جثثهم فى النيل أو للكلاب الضارية. وبأوامر من سليم، انطلق رجاله يخلعون أعمدة ورخام قصور قلعة الجبل-مقر الحكم المملوكي- وجمعوا الصُناع والبنائين وأرباب الحرف وأساطين المهن والفنون، تمهيدًا لنقلهم مع نهيبة سليم إلى اسطنبول لبناء مدينة ملكية تليق بـ"سلطان البرين وخاقان البحرين".
تمرد الشيخ عبد الدايم بن بقر فى الشرقية
كانت أولى الاضطرابات التى برزت فى مصر مع مطلع الحكم العثمانى تلك التى قادها الشيخ عبد الدايم بن أحمد بن بقر، شيخ العرب فى إقليم الشرقية، وذلك فى عام 1518م، بعد ما خرج عن طاعة والى مصر خاير بك.
وبحسب دراسة بعنوان "أعمال العصيان والتمرد التى واجهتها الدولة العثمانية فى مصر ما بين عامى 1518-1524"، للدكتور أحمد حسين، نشرت بالعدد الرابع من مجلة "الدراسات التاريخية والحضارية" أكتوبر 2012، فإنه بعد استعانة خاير بك بالمماليك الجراكسة، بدأت سوء أحوال الفلاحين، وواجه الوالى العثمانى عصيانا فى منطقة الشرقية، قاده الشيخ عبد الدايم بن بقر، حينما خرج عن طاعته وأعلن نفسه حاكما على المناطق التى كانت خاضعة لسيطرته، واستغل بن بقر فرصة انشغال الجيش العثمانى بالتصدى لفلول الأمراء المماليك، فقام واستولى على الكثير من الأموال، وقتل الكثير من جنود المماليك والعثمانيين.
وفشل خاير بك فى استمالة الشيخ عبد الدايم بن بقر، مما اضطره لتعيين والده الشيخ أحمد بن بقر حاكما على المنطقة الشرقية، لكن أعمال التمرد زادت، وبعد وفاة خاير بك، تولى مصفى باشا، زوج أخت سليمان القانونى، ورغم رفض المصريين وجود حاكما عثمانيا عليهم وقيام أعمال تمرد ضده، إلا أنه استطاع القضاء على العصيان.