واحد من أكثر الأيام الصعبة فى التاريخ الإسلامى هو يوم غزوة أحد، تلك الغزوة التى رغم تفوق المسلمين فيها بداية الأمر لكن تغيرت الأمور رأسا على عقب، فهزم المسلمون واستشهد أسد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم الرسول، ونال المشركون من عزيمة الصحابة بإطلاق شائعة مقتل النبى الكريم.
غزوة أُحُد هى معركة وقعت بين المسلمين وقبيلة قريش فى يوم السبت السابع من شهر شوال فى العام الثالث للهجرة. وكان جيش المسلمين بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أما قبيلة قريش فكانت بقيادة أبى سفيان بن حرب. وغزوة أحد هى ثانى غزوة كبيرة يخوضها المسلمون، حيث حصلت بعد عام واحد من غزوة بدر. وسميت الغزوة بهذا الاسم نسبة إلى جبل أحد بالقرب من المدينة المنورة، الذى وقعت الغزوة فى أحد السفوح الجنوبية له.
وبحسب كتاب "حياة محمد" للأديب الراحل محمد حسين هيكل، لم يهدأ منذ بدر لقريش بال، ولم تغنها غزوة السويق شيئًا، وزادتها سرية زيد بن حارثة التى أخذت تجارتهم حين سلوكها سبيل العراق إلى الشام حرصًا على الثأر . وكيف لقريش نسيانهم وهم أشراف مكة وساداتها وذوى النخوة والكرامة من كبارها؟! وكيف لها نسيانهم ولا تزال نساء مكة تذكر كل منهن فى القتلى لها ابنًا أو أخًا أو أبًا أو زوجًا أو حميمًا، فهى له تتوجع وعليه تبكى وتولول؟! هذا، وكانت قريش — منذ قدم أبو سفيان بن حرب بالعير التى كانت سبب بدر من الشام وعاد الذين شهدوا بدرًا وسلموا من القتل فيها — قد وقفت العير بدار الندوة، واتفق كبراؤها: جبير بن مطعم وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام وحويطب بن عبد العزَّى وغيرهم، على أن تباع العير وأن تعزل أرباحها وأن يجهَّز بها جيش لقتال محمد، جرَّار فى عدده وعدَّته، وأن تستنفر بها القبائل ليشاركوا قريشًا فى أخذهم بالثأر من المسلمين.
وقد استنفروا معهم أبا عزة الشاعر الذى عفا عنه النبى من أسرى بدر، كما استنفروا معهم من اتبعهم من الأحابيش. وأصرت النسوة من قريش على أن يسرن مع الغزاة. فتشاور القوم؛ فمن قائل بخروجهن، «فإنه أقمن أن يُحفظك ويذكِّركم قتلى بدر، ونحن قوم مستميتون لا نريد أن نرجع إلى دارنا حتى ندرك ثأرنا أو نموت دونه.»
وسار المسلمون مع الصبح حتى بلغوا أحدًا، فاجتازوا مسالكه وجعلوه إلى ظهورهم. وجعل محمد يصُفُّ أصحابه، وقد وضع منهم خمسين من الرماة على شِعب فى الجبل وقال لهم: «احموا لنا ظهورنا فإنا نخاف أن يجيئونا من ورائنا. والزموا مكانكم لا تبرحوا منه. وإن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم. وإن رأيتمونا نُقتَل فلا تعينونا ولا تدافعوا عنا. وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل؛ فإن الخيل لا تقدم على النبل.» ثم نهى غير الرماة أن يقاتل أحد حتى يأمر هو بالقتال.
فأما قريش فصفَّت صفوفها، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبى جهل، ودفعت اللواء إلى عبد العُزَّى طلحة بن أبى طلحة. وجعلت نساء قريش يمشين خلال صفوفها يضربن بالدفوف والطبول، فيكن تارةً فى مقدمة الصفوف وتارة فى مؤخرتها، وعلى رأسهن هند بنت عتبة زوج أبى سفيان.
واستعد الفريقان للقتال وكلٌّ يحرِّض رجاله. فأما قريش فتذكر بدرًا وقتلاها. وأما المسلمون فيذكرون الله ونصره. ومحمد يخطب ويحض على القتال، ويعد رجاله النصر ما صبروا. مدَّ يده بسيف فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة سِمَاكُ بن خرشة أخو بنى ساعدة فقال: وما حقه يا رسول الله؟ فقال: أن تضرب به فى العدو حتى ينحني. وكان أبو دجانة رجلًا شجاعًا له عصابة حمراء، إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل وأنه أخرج عصابة الموت. فأخذ السيف وأخرج عصابته وعصب بها رأسه، وجعل يتبختر بين الصفين على عادته إذ يختال عند الحرب. فلما رآه محمد يتبختر قال: «إنها لمشية يُبغضها الله إلا فى هذا الموطن.»
واندفعت قريش إلى القتال يثور فى عروقها طلب الثأر لمن مات من أشرافها وسادتها منذ عام ببدر. ووقفت بذلك قوتان غير متكافئتين فى العدد ولا فى العُدة، يحرك الكثرة العظيمة ثأر لا يهدأ منذ بدر فى النفوس ثائره، ويحرك الفئة القليلة عاملان: الدفاع عن العقيدة وعن الإيمان وعن دين الله، والدفاع عن الوطن وعما يشتمل عليه هذا الوطن من مصالح. فأما المطالبون بالثأر فكانوا أعز نفرًا وأكثر جندًا، وكان من ورائهم الظعن يحركنهم، وقد أعدَّت غير واحدة منهن مولى وعدته الخير الوفير لينتقم لها ممن فجعها ببدر فى أب أو أخ أو زوج أو عزيز.
كان حمزة بن عبد المطلب، من أعظم أبطال العرب وشجعانهم، وكان قد قتل يوم بدر عتبة أبا هند، كما قتل أخاها ونكَّل بكثير من الأعزة عليها. وكان يوم أحد كما كان يوم بدر أسد الله وسيفه البتار. قتل أرطأة بن عبد شرحبيل. وقتل سباع بن عبد العزى الغبشاني. وجعل يهذ كل من لقى بسيفه فتسيل من جسده روحه. وكانت هند بنت عتبة قد وعدت وحشيًّا الحبشى مولى جبير خيرًا كثيرًا إن هو قتل حمزة، كما قال له جبير بن مطعم مولاه وكان عمه قد قُتل ببدر: إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق. روى وحشى قال: «فخرجت مع الناس، وكنت رجلًا حبشيًّا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلَّما أخطئ بها شيئًا. فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصَّره، حتى رأيته فى عُرض الناس يهذ الناس سيفه هذًّا، فهززت حربتى حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت فى ثُنته حتى خرجت من بين رجليه، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتى ورجعت إلى المعسكر وقعدت فيه، ولم يكن لى بغيره حاجة. إنما قتلته لأعتق. فلما قدِمت مكة أعتقت.»