نتابع اليوم سيرة ما ورد فى الهجرة النبوية، بعدما اصطحب سيدنا محمد عليه السلام صديقه الأعز أبو بكر الصديق فى رحلته إلى يثرب، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك.
قال ابن إسحاق: ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه، وأمر أبو بكر الصديق ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر.
وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما يأتيهما إذا أمسى فى الغار.
فكان عبد الله بن أبى بكر يكون فى قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون فى شأن رسول الله ﷺ وأبى بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر.
وكان عامر بن فهيرة يرعى فى رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا وذبحا.
فإذا غدا عبد الله بن أبى بكر من عندهما إلى مكة أتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفى عليه.
وسيأتى فى سياق البخارى ما يشهد لهذا وقد حكى ابن جرير عن بعضهم: أن رسول الله ﷺ سبق الصديق فى الذهاب إلى غار ثور، وأمر عليا أن يدله على مسيره ليلحقه، فلحقه فى أثناء الطريق، وهذا غريب جدا وخلاف المشهور من أنهما خرجا معا.
قال ابن إسحاق: وكانت أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
قالت أسماء: ولما خرج رسول الله ﷺ وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبى بكر، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا ابنة أبى بكر؟
قالت: قلت: لا أدرى والله أين أبي.
قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى ثم انصرفوا.
قال ابن إسحاق: وحدثنى يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء.
قالت: لما خرج رسول الله ﷺ وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم - أو ستة آلاف درهم - فانطلق بها معه.
قالت: فدخل علينا جدى أبو قحافة - وقد ذهب بصره -.
فقال: والله إنى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه؟
قالت: قلت: كلا يا أبة إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا.
قالت: وأخذت أحجارا فوضعتها فى كوة فى البيت الذى كان أبى يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبة ضع يدك على هذا المال.
قالت: فوضع يده عليه.
فقال: لا بأس إذ كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفى هذا بلاغ لكم، ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك.