نقرأ معا كتاب "عودة المقاتلين من بؤر التوتر: التحديات والإمكانات" الصادر عن مركز المسبار، والذى ينطلق من فكرة أنه فى ضوء تفاقم "الجهاد" و"الجهاد المضاد" فى أماكن النزاعات المسلحة، أصبحت عودة المقاتلين إلى بلدانهم هاجساً لدى العديد من الدول فى المنطقة العربية وأوروبا التى تعمل على اتخاذ الاحتياطات ووضع معادلات الأمان والتصدى للمخاطر التى يمكن أن يحملها "العائدون".
ورى الكتاب أنه بصرف النظر عن الجنسيات الطاغية على "الجهاد المعولم" وليس "جذب الجهاديين" ظاهرة جديدة على العالمين العربى والإسلامى، إذ شهدت ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم ما يعرف بــــ"الأفغان العرب" الذين خاضوا عمليات عسكرية ضد الوجود السوفيتى فى أفغانستان ضمن منظور "جهادى سلفي"، وأصبح هؤلاء لاحقاً عبئاً أساسياً على بلدانهم بعد عودتهم، كما لو أن التاريخ يكرر نفسه.
ويركز الكتاب بشكل أساسى على دول المغرب العربى وعلى "الجهاديين الأوروبيين"، تحديداً أولئك القادمين من فرنسا، آخذاً بالاعتبار التجارب السابقة فى كيفية تعامل الدول مع النتائج السلبية المترتبة على هذه العودة وفى مقدمتها التجربة الجزائرية ما بين عامى 1989 و2003 فى احتواء "الراديكالية الجهادية" وضبط مخاطرها.
تناول الباحثون المشاركون موضوعات أساسية على اتساق مباشر بالخطوط العريضة الآتية: ولاءات "الجهاديين" والتحاقهم بالتنظيمات الجهادية، وشرح سيرورة التطرف الإسلاموى، وتحليل الجذب الجهادى من منظور أيديولوجى وسياسى: التعبئة والتحريض، وتفسير الدوافع والديناميات المؤدية إلى ولادة جيل جديد من الجهاديين أشد تطرفاً من الجيل السابق، والخلايا الجهادية النائمة فى أوروبا، والتحديات السياسية والدينية والثقافية الماثلة أمام الدول بعد عودة المقاتلين، والأزمات العميقة المنتجة لظاهرة التحاق الشباب بالتنظيمات والجماعات الإرهابية.
تجاوزت الدراسات هذه الأطر العامة والمهمة، فركزت على تفاصيل أخرى من بينها: "تاريخ التحاق الجهاديين" فى أراضى المعارك فى سوريا بعد "عسكرة الحراك الاحتجاجى"، و"شبكات التجنيد وآلياتها"، و"خريطة توزيع المقاتلين فى جغرافيا النزاعات"، و"مشاكل الإرهاب داخل المجتمعات الغربية"، و"دوافع الجهاديين للانضمام إلى داعش فى سوريا والعراق"، و"استراتيجيات العفو وإعادة تأهيل الجهاديين المعتقلين".