من المصطلحات التى نسمعها كثيرا، ونقرأ عنها فى الكتب، وتصدم أسماعنا كتهمة يوجهها البعض للمختلفين معهم مصطلح "الزندقة" لكن معظمنا لا يعرف شيئا عن هذا المصطلح وأصوله، متى ظهر فى الفكر الإسلامى؟ وما معناه؟ وما علاقته بـ الأديان الفارسية القديمة؟ وما علاقته بـ المرأة؟
ونعتمد فى معلوماتنا على كتاب "تاريخ وفكر الزندقة والزنادقة " لمحمد عبد الحميد الحمد، الذى يقول:
لا يوجد جذر لغوى للزندقة فى العربية، وقد اختلف فيه الباحثون، ماذا يعنى بالضبط مصطلح الزندقة؟ وكانت إجاباتهم مختلفة، بل وأستطيع الجزم مسبقا بأنهم لم يحددوا معناه.
من قالوا (إنها كلمة فارسية):
قال الحسين بن على المسعودى، إن الزنديق من أتباع مزدك، وهو الذى يأتى بتفسير جديد لكتاب زرادشت المعروف (بالبستاه) أو (الأبستاق) باللغة الفارسية الأولى، وعمل له تفسير هو "الزند"، فمن عدل عن "البستاه" إلى التأويل الذى هو الزند، قالوا : زندى وعربه العرب بقولهم "زنديق".
ومن وافقه من القدماء والمحدثين:
أبو عبد الله بن يوسف الخوارزمى فى كتابه (مفاتيح العلوم) قال: إن كلمة زنديق تنسب إلى زند وهو اسم كتاب مزدك فى تأويل كتاب زرادشت".
ووافقه من المحدثين، "آدى شير الكلدانى" فى قاموسه الألفاظ الفارسية المعربة قال: الزنديق من يعمل بما يطابق الزند لمزدك، وإلى هذا المعنى ذهب المستشرق الإنجليزى "جون براون" قال عن كلمة زنديق إن معناها بالفارسة الشخص الذى يتبع الزند الذى هو نفسه الكتاب المقدس عند الفرس (الآفستا) ثم أطلق على المانوية لانهم يتبعون زند وغيره من الكتب.
ومن قالوا إنه مصطلح (آرامى أو سامى):
معظم هؤلاء من الباحثين الحديثين، قال الأستاذ هادى العلوى، عن كلمة زنديق تطوير عربى للكلمة العبرية (صديق) ولا علاقة لها بالكلمة الفارسية "زندا" خلافا لما ذهب إليه الباحثون قديما وحديثا لعدم رجوعهم إلى الأصول السامية المشتركة، والعبرية والآرامية من أصل مشترك.
وقال غيره: إنها تعود إلى أصل آرامى "صديقى" ثم حولها الفرس إلى زنديق، وأطلقوها على الشخص المتبع مانى، وإنى لأفترض بدورى أن الكلمة من أصل سريانى أو آرامى، فقد كان المانوية يطلقون على الشاب الصديق أو الوسيم البرىء اسم (nazug zadg) وكان على الأغلب يرافق الرجل ويخدمه، وصار الفرس لسهولة اللفظ يدعونه (زنديك) وعنهم عربها العرب باسم (زنديق).
قال الثعالبى: أما قولهم أظرف من زنديق فقد صار مثلا فى زمن كثر فيه ظرفاؤه وقال الصولى فى وصف أبى نواس له "تيه مغن وظرف زنديق".
لماذا ارتبطت كلمة "زنديق" بالمانوية دون غيرهم؟
لأن كلمة زنديق عرفت منذ القرن الرابع الميلادى فى المجتمع الفارسى، وكانوا يطلقونها على المانوية خاصة، لأنهم فى نظر أهل فارس كانوا يظهرون الزرادشتية ويبطنون غيرها، وشبهوهم بالنساء يظهرن الود لمن لا يرغبن فيه، ولذلك فإن كلمة زنديق تعنى "دين المرأة"، وظهرت هذه الكلمة الفارسية المعربة بين حمراء الموالى فى الحيرة (الكوفة) وكانا خليطا من العرب والفرس، وقد قتل الجعد بن درهم فى الكوفة عام 108 هجرية قبل وفاة الحسن البصرى 110 وأطلقوا على الجعد اسم زنديق، وشاع هذا المصطلح فى بداية العصر العباسى، فى البدء جمعوا الزنادقة حولهم ثم نبذوهم فيما بعد عندما صاروا بحاجة إلى أن يظهروا بمظهر المتمسكين بمذهب الجماعة وأهل السنة.
وفى زمن المهدى قامت حملة عامة على الزنادقة، وقتل من المسلمين الخلق الكثير على الشبهة، وكان الفقهاء يتهمون الزنديق أنه من أتباع مانى حتى قال ابن النديم "يطلق لفظ الزنادقة على أصحاب مانى ومعتنقى مذهبه دون غيرهم".