تمر العلاقة بين فرنسا والمسلمين هذه الأيام بظروف دقيقة بالفعل، تحتاج إلى فهم وتقريب وجهات النظر، والدعوة إلى احترام ثقافات ومعتقدات الآخر، لذا وجب الإشارة أنه على مدى التاريخ تعامل عدد كبير من المثقفين الفرنسيين باحترام كبير مع "التراث الإسلامى" ومنهم كلود كاهن.. الذى سنتعرف عليه فى الصفحات التالية.
ولد كلود كاهن، وهو يهودى فرنسى، فى 26 فبراير سنة 1909 فى باريس ورحل فى عام 1991، ودرس فى ليسيه لويس لوجران، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وبالمدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية وبكلية الآداب فى جامعة باريس، وحصل على شهادة الأجريجاسيون فى التاريخ، ثم على شهادة الدكتوراه 1940.
وعين كلود كاهن مدرساً فى ليسيه أميان (193)، ثم فى ليسيه روان (1938 ـ 1940). وبعد حصوله على الدكتوراه سنة 1940 عين أستاذاً فى كلية الآداب بجامعة استراسبورج (1945 ـ 1959)، ثم أستاذاً فى السوربون (سنة 1959 -1979).
وتولى رئاسة تحرير مجلة Journal of the Economic and social history of the Orient، وابتداء من سنة 1957، وصار رئيساً للجمعية الآسيوية (1974 ـ 1985)، ثم انتخب «عضواً فى معهد فرنسا Institut de France».
يقول كلود كاهن عن نفسه: "إن كلود كاهن، وقد جاء من ميدان الدراسات التاريخية قد عمل على أن يُدخل، فى مدرسة التاريخ الإسلامى المناهج والمشاكل التى عوده عليها تكوينه العلمي، وذلك بالحرص على الاهتمام بالتاريخ الاقتصادي، وهو الأمر الذى لم يُعْنَ به من قبل إلا قليلاً فيما يتعلق بدراسة تاريخ العالم الإسلامى ف العصر الوسيط".
وبعد أن اهتم فى رسالة الدكتوراه، وموضوعها "شمال سوريا فى عصر الحروب الصليبية" بالصليبيين وعلاقاتهم مع المسلمين، أخذ، فى مقالات، بالاتجاه الصريح نحو دراسة الإسلام: سواء فى إيران، وفى تركيا، وفى البلاد العربية، وحاول خدمة الطلاب بأن كتب عرضاً إجمالياً لتاريخ الإسلام بعنوان: "الإسلام" وأسهم بمواد فى "دائرة المعارف الإسلامية".
وتتابعت بحوثه عن الحروب الصليبية، فنشر فى سنة 1954 بحثا بعنوان مدخل إلى الحملة الصلیبیة الأولى، وشارك بكتابة فصول من كتاب تاریخ الحروب الصلیبیة الذى نشر فى عامى 1955و1962، وفى سنة 1983 أصدر كتابه الشرق والغرب زمن الحروب الصلیبیة.
وفى كتاباته عن تلك الحروب نراه ینص صراحة على أنه لا یكفى الرجوع إلى ما كتبه الأوروبیون عنھا، وإنما ینبغى أن نسمع وجھات نظر الطرف الآخر فى ھذه الحرب، وھم العرب، وھو یقرر أن الحروب الصلیبیة، وإن كانت مبادرة أوروبیة انطلقت من الغرب، وأن الغرب وإن كان ھو الأقدر على دراستھا، فإنه فى اللحظة التى وطئت فیھا ھذه الحملات أرض المشرق یصیر من حق الشرقیین أن یقوموا بدراستھا.
وكان طبیعیا لمستشرق متخصص فى التاریخ الإسلامى فى قامة كلود كاھن ألا یكتفى فى كتاباته بالرجوع إلى المصادر العربیة المطبوعة، وأن یبحث فى التراث المخطوط الذى لم ینشر بعد عن كل ما له صلة بالموضوعات التى یكتب فیھا، عله یجد فیھا ما یوضح غامضا أو یكمل ناقصا. وكان طبیعیا أن تكون المخطوطات العربیة فى أولیات اھتمامه، وقد رجع إلیھا، وأفاد منھا، وأثرى كتاباتھ التاریخیة بما أمدته به من معلومات؛ وقد نشر بعض النصوص العربیة المخطوطة التى رجع إلیھا، والتى لم یسبق نشرھا، فأسھم بذلك فیما یعرف بعلم تحقیق النصوص.