عرفنا "مارك مانسون" من كتابه "اللامبالاة" الذى حقق نجاحا كبيرا، وقدر صدر له كتاب جديد عنوانه "خراب.. كتاب عن الأمل" وينطلق من الكتاب مجموعة من الأسئلة منها: هل تساءلت يوماً لماذا يبدو أن ازدياد إمكانية التواصل بين الناس يجعلهم أكثر تباغضاً؟ وهل تساءلت يوماً عما يجعل الناس يشعرون أنهم أكثر قلقاً وتعاسة على الرغم من ازدياد حياتهم يسراً؟
يقول الكتاب:
خلال السنوات الأخيرة، عمل عدد من الكتّاب، من بينهم ستيفن بيكر وهانز روزلينج، على البرهنة على أننا مخطئون فى إحساسنا بهذا التشاؤم كلّه، وذهبوا إلى أن كلّ شىء قد صار فى واقع الأمر أحسن حالًا من ذى قبل، فضلًا عن أن من المحتمل كثيرًا أن يتواصل هذا التحسن.
وملأ الكاتبان المذكوران كتبًا كبيرةً ثقيلةً بمخططات ورسوم بيانية كثيرة تبدأ كلها من زاوية الصفحة وتنتهى - على نحو ما - فى الزاوية المقابلة، كما شرح الرجلان شرحًا مطوّلًا الفرضيات الخاطئة ووجهات النظر المسبقة التى نحملها جميعًا والتى تجعلنا نشعر بأن الأشياء قد صارت أكثر سوءًا.
ويدافع الرجلان عن فكرة أنّ التقدّم ظلّ مستمرًّا من غير انقطاع خلال العصر الحديث كلّه فقد صار الناس أحسن تعليمًا وأقل جهلًا من ذى قبل، كما أن العنف يتراجع منذ عقود، بل ربما منذ قرون، وبلغت العنصرية والتمييز، والتمييز الجنسي، والعنف ضد المرأة، أدنى مستوياتها فى التاريخ المسجّل كلّه، وصارت لدينا حقوق أكثر من أى وقت مضى، ويتمتّع نصف سكان الأرض بالقدرة على النفّاذ إلى شبكة الإنترنت، وصار الفقر الشّديد فى أدنى مستوياته على امتداد العالم كلّه، وصارت الحروب أصغر حجمًا وأقل تكرارًا من أى وقت مضى فى التاريخ. وانخفضت معدلات وفيّات الأطفال، وصار الناس يعيشون أعمارًا أطول، ازدادت الثروة أكثر من أى وقت مضى، كما أننا تمكّنا من التخلّص من جملة كبيرة من الأمراض.
إنهما محقّان. ومن المهمِّ أن يعرف المرء هذه الحقائق. لكن قراءة هذه الكتب شبيهة إلى حد ما بأن تجلس وتستمتع إلى عمّك العجوز يخبرك كيف كان كل شيء أكثر سوءًا عندما كان فى مثل سنّك، على الرغم من صدق ما يقوله لك، فإن هذا لا يعنى بالضرورة أن يصير لديك إحساس أفضل تجاه مشكلاتك أنت، أى تجاه المشكلات التى تعيشها الآن.
فما السبب فى هذا؟ فعلى الرغم من كل ما ينشر اليوم من أخبار طيبة، فها هى إحصائيات مفاجئة أخرى، فى الولايات المتحدة الأميركية، تُواصل أعراض الاكتئاب والقلق ازديادها بين الشباب منذ ثمانين عامًا، وتواصل ازديادها بين البالغين منذ عشرين عامًا، لا يقف الأمر عند كون أعداد متزايدة من الناس قد صارت تعانى الاكتئاب، بل إن هناك تزايدًا فى نسبة من يعانونه فى مرحلة عمرية تزداد تبكيرًا مع كل جيل جديد، فمنذ سنة 1985، يعبّر الرجال والنساء عن مستوى أدنى من رضاهم عن حياتهم، قد يكون جزء من هذا الأمر عائدًا إلى أن مستويات الشدّة النفسية قد ارتفعت خلال السنوات الثلاثين الماضية، لقد بلغ معدّل تعاطى جرعات زائدة من المخدرات أعلى مستوى على الإطلاق، وهذه ظاهرة منتشرة فى الولايات المتحدة وكندا، وعلى امتداد الطّيف السكّانى فى الولايات المتحدة، تتزايد معدلات الإحساس بالوحدة والعزلة الاجتماعية، وفى يومنا هذا، يقول قرابة نصف الأميركيين إنهم يعانون مشاعر العزلة، ويحسّون بأنهم منبوذون، أو متروكون وحدهم فى حياتهم، .
فى الثمانينات، وجّه الباحثون إلى المشاركين فى أحد الاستطلاعات أسئلة عن عدد الأشخاص الذين ناقشوا معهم أمورًا شخصية مهمّة خلال الأشهر الستة الأخيرة، فكانت "ثلاثة أشخاص" هى الإجابة الأكثر شيوعًا، وأما فى العام 2006، فقد صارت الإجابة الأكثر شيوعًا "صفر".
وفى الوقت نفسه، فإن البيئة فى حالة تدهور شديد، كما صار المجانين يمتلكون أسلحة نووية، أو صاروا على مسافة قريبة من امتلاكها، ويواصل التطرف النمو على امتداد العالم كلّه - تطرّف بمختلف الأشكال، من اليمين ومن اليسار، وتطرّف ديني، وتطرّف علماني، نظريّات المؤامرة، وميليشيات المواطنين، و"المتأهبون للكارثة" (كأولئك الذين يتّخذون احتياطاتهم لنشوب حرب أو كارثة تشمل العالم كله).