أعلن فريق من الباحثين فى علم الآثار بجامعة مالقة فى إسبانيا توصله لاكتشاف أثرى يكشف حقيقة غامضة من تاريخ تمرد الأندلسى من أصل إسبانى "عمر بن حفصون" على الخلافة الأموية بقرطبة، ويقع مكان الاكتشاف الأثرى، الذى يقوده فيرخيليو مارتينيث إنامورادو المحاضر بجامعة مالقة، فى منطقة بيثارة، التى تبعد بنحو 30 كلم عن مدينة مالقة، وهو عبارة عن أطلال بلدة صغيرة مدفونة تحت التراب، كانت مأهولة على الأقل بين القرنين الـ 8 و9 الميلاديين من قبل مسيحيين، أى خلال القرن الأول للوجود الإسلامى فى إسبانيا وشبه الجزيرة الأيبيرية.
وتتضمن البلدة المكتشفة، حسب فريق البحث، كنيسة مبنية بلمسات معمارية قوطية، ويتوقع فيرخيليو مارتينيث اكتشاف كنيسة وآثارا مهمة أخرى ليست بعيدة عن الموقع الأثرى الجديد حسب معطياته، وكان هذا الباحث قد اكتشف بنفسه فى هذه المنطقة سنة 2001 كنيسة للمورسكيين، وهم الأندلسيون النصارى.
وولد عمر بن حفصون حوالى سنة 850 ميلادية بضيعة توريتشيلا، فى مالقة، منحدرا من أسرة إسبانية مسيحية قوطية من النبلاء اعتنقت الإسلام عند مجىء المسلمين إلى المنطقة، ويعرف أن جده القوطى الأبرز كان القس آلفونسو، فيما كان جده الرابع جعفر أول من اعتنق الديانة الإسلامية فى الأسرة، حسب ما جاء بروسيا اليوم، ناقلا عن مالقة أوى الإسبانية، وكان عمر بن حفصون ينتمى إلى من عرفوا حينذاك بـ "المولدين"، ووجد نفسه عندما كبر فى قلب الصراعات التى قامت بين الخلافة الأموية فى قرطبة والمولدين غير المؤيدين لسياسة الدولة الذين كانوا يشعرون بالتهميش والإقصاء.
لم ينتظر بن حفصون طويلا لينخرط فى التمرد ضد قرطبة بعد إقامة لسنوات فى الجزائر، بمدينة تاهرت، حيث اشتغل عند خياط من أبناء المنطقة هربا من جرائم ارتكبها فى الأندلس، ليصبح قائد أخطر ثورة فى تاريخ الأندلس وأطولها زمنيا حيث استمرت لأكثر من 40 عاما وزعزعت أركان النظام الأندلسى الإسلامى، وقاد بن حفصون التمرد الذى أشعل الفتن، منذ سنة 880م، فى كل جهات الأندلس انطلاقا من جبل بيبشتر فى جبال سييرانيفادا بين مالقة ورندة، وبسط سلطته خلال التمرد على مناطق واسعة من البلاد، بما فيها مالقة متسببا فى اضطرابات كبيرة بالبلاد.
فى سنة 899م، أعلن ابن حفصون اعتناقه الديانة المسيحية مغيرا اسمه إلى صموئيل، فى خطوة اعتبرها مؤرخون، على غرار الفرنسى ليفى بروفنسال، سياسية انتهازية، وكسب بمقتضى هذا التحول العقائدى تعاطف الممالك النصرانية ومساعدتها ضد قرطبة، وإذا كان قد توفى سنة 918 ضعيفا بعد تخلى المولدين المسلمين عنه وضعف الدعم المسيحى الإسبانى له فإن ثورته لم تخمد نهائيا إلا فى سنة 928 ليخرج جثمانه المدفون فى كنيسة بيبشتر ليصلب أمام جامع قرطبة.