نسمع دائما كلمات "السلف، والسلفية، والسلفيين" وغيرها من المشتقات، البعض يمنح هذه الكلمة أكبر من معناها، يصل أحيانا لدرجة التقديس، متناسين أن هذه اللفظة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلينا.. فكيف ذلك؟
يتوقف كتاب "السلف المتخيل" لـ رائد السمهورى، عند أصل كلمة "سلف" فى اللغة والاصطلاح، يقول:
يدل أصل "س ل ف" كما يقول "ابن فارس" فى "قاموس اللغة" على "تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون".
وفى المعاجم العربية المتقدمة، نجد مصداق كلام ابن فارس، أنها تدل على "السبق والتقدم" فـ (من وما) سبق فهو سلف، ففى أقدم معجم للعربية، وهو معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدى، ما يؤدى إلى هذا المعنى ففيه، مثلا "السلف: كل شىء قدمته فهو سلف، والفعل سلف يسلف سلوفا. والقوم إذا أرادوا أن ينفروا فمن تقدم من نفيرهم فسبق فهو سلف.
وتسمى المرأة التى بلغت خمسا وأربعين سنة "مسلفا" كما ذكر عبيد القاسم بن سلام، فى الغريب المصنف، كناية عن تقدمها فى السن، وفى جمهرة اللغة لابن دريد، "لفلان سلف كريم، إذا تقدم له كرم آباء، والجمع أسلاف وسلوف. وسلاف القوم: متقدموهم فى حرب أو سفر" و"سلافة الخمر: أول ما يخرج من عصيرها".
فهذا ما يدور حول لفظ "السلف" فلا يدل اللفظ بمجرده على مدح ولا على ذم، أى أنه لفظ "محايد" لا يحمل أى قيمة له فى ذاته.
وفى القرآن الكريم وردت ألفاظ من جذر "س ل ف" على ما يقتضيه المعنى اللغوى المجرد الدال على السبق والتقدم، فى ثمانية مواضع من القرآن.
ويقول الكتاب عن وجود مصطلح السلف فى التراث الفقهى الأول:
أن لفظة "السلف" ترددت بين المعنى اللغوى المجرد والدلالة على جيل الصحابة تحديدا، ولم تصل بعد إلى أن تكون ذات معنى اصطلاحى عقائدى، ولا حضور لها قويا فى هاتيك المدونات.
وأن هذه اللفظة لا تحضر إلا لماما فى ثنايا الكتب، تجدها المرة البعيدة بعد المرة البعيدة، وفى درج الكلام، ولا تحضر مقصودة لذاتها، ولا على سبيل الحجاج، وإن حضرت للحجاج فلا تحضر إلا على استحياء.
وأنه لا وجود فى تلك المدونات لـ حزمة عقائد، وآراء فقهية ووصفات معلبة وجاهزة وناجزة معدودة فى متون تسمى "منهج السلف" أو "مذهب السلف".
وأنه لا تعريف اصطلاحا لا مباشرا واضحا ولا غير مباشر على سبيل غاية الظن، يحدد ما المقصود بلفظ "السلف" فى تلك العصور وإنما تجرى على المعنى اللغوى فى الغالب.
وأنه يقصد بها، غالبا، الصحابة دون التابعين وتابعيهم، أى لم تتسع لغير الصحابة، كما هو ظاهر.
لكن مع تقدم الأجيال بدأت الكلمة تتحرك لمعانى أخرى "مقدسة" وصارت تطلق على أجيال جديدة من المسلمين.