خرجت أوروبا من العصور الوسطى ولديها أفكار جديدة عن كل شيءـ من ذلك رغبتها فى التوسع، لذا نشأ الاستعمار كما نقرأ عنه ونراه، ومن ذلك ما رصده كتاب الصَّليبيّة والجهاد.. حرب الألف سنة بين العالم الإسلامى وعالم الشمال" للمؤرخ والمستشرق والسياسى الأمريكى ويليام بولك 2019 م ترجمة عامر شيخونى ومراجعة وتحرير عماد يحيى الفَرَجى، الذى يتحدث عن الوجود البريطانى فى الشرق.
فى أواسط القرن السابع عشر، تمكن الإنجليز من السيطرة على تجارة الشرق الأوسط عن طريق القرصنة فى أغلب الأحوال، وكما كتب الاقتصادى الإنجليزى الكبير جون مينارد كينز John Maynard Keynes فقد كانت القرصنة أساس التجارة البحرية الدولية "يمكن اعتبار الغنائم التى جلبها دريك Drake فى سفينته الجبل الذهبى The Golden Hind أصل ومنبع الاستثمارات البريطانية الخارجية".
فقد مولت الاستثمارات شركة شرق المتوسط، التى انبثقت عنها شركة الهند الشرقية، والتى تغلبت بِدورِها على الهند ودمرت الإمبراطورية المغولية فيها.
مع نهاية القرن الثامن عشر، فقدت غزوات البرتغاليين والإسبان حيويتها بينما أحرز الفرنسيون والبريطانيون تقَدمَا عسكرياً وتجاريا وإداريا واضحا وامتيازات ساحقة.
كانت الهند الإسلامية الجائزة الكبرى بالنسبة لهم وللروس كذلك، إلا أن الطريق إلى الهند كان مغلقا بدول إسلامية كان يجب إخضاعها، تخلفت هذه الدول كثيراً عن أوروبا تقنياً وإدارياً، ولم يدرك الحكام المسلمون ولا جيوشهم المتخلفة ما الذى أصابهم، وربما كان ذلك جزئياً بسبب ما غَشَّى بصائرهم من الإيمان بتاريخهم المجيد.
تغلب بطرس الأكبر وكاثرين فى الشرق على فرسان آسيا الوسطى فى معركة تلو أخرى، وقام الفرنسيون بمثل ذلك فى الغرب، وفى معركة من أكثر المعارك إثارة للسخرية، هاجم فرسان مماليك مصر بثيابهم الملونة المزركشة البهية مدفعية نابليون فتم ذبحهم وإبادتهم.
يقدَّر أن الهند فى أواسط القرن التاسع عشر كانت تنتِج حوالى ربع ثروة العالم، بينما كانت بريطانيا تنتج 3% لا أكثر، ثم جاءت الثورة الصناعية بتَغيير جذرى كبير وعكست فى الواقع اتجاه التجارة بين الشمال والجنوب.
أدتْ هذه التَّغيرات إلى انخفاضٍ شديد فى مستوى المعيشة والصحة العامة لدى السكان المحليين.
كتب ويليام ديجبى William Digby أن الفلاحين فى الهند خلال القرن التاسع عشر حصلوا على نصف ما كان يحصل عليه أجدادهم من الطعام، وأقل مما حصل عليه أجداد أجدادهم.
وعلَّق توماس بابينجتون ماكولى الرائد الاستراتيجى للإمبريالية الإنجليزية أن "ثلاثين مليوناً من البشر انحدروا إلى درجة شديدة من البؤس"، واتسع تأثير ما حدث اقتصاديا وتم ترسيخه رسميا فى الجانب العسكرى، عندما حاول المصريون تَطوير وتَحديث أنفسهم صناعياً تدَّخَل البريطانيون عسكرياً لمَنعهم من ذلك.
فى الهند، احتَلَّت بريطانيا البَنغال أولا ثم انطلقتْ لتدمير الإمبراطورية المُغولية، وعندما ثار الهنود فى 1857، قتل البريطانيون مئات الآلاف من القرويين وأعدموا العائلة الحاكمة ثم ضموا الإمبراطورية المُغولية إلى الإمبراطورية البريطانية، وفى طريقهم لاحتواءِ وكبح التوسع الروسى اندفع البريطانيون أيضاً نحو وسط آسيا والشرق الأوسط.