تمر اليوم الذكرى الـ98 على إعلان "أبو الأتراك" مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء النظام السلطانى بصفة رسمية، حيث أعلن المجلس الوطنى الأكبر لتركيا فى 1 نوفمبر 1922 منهيًا الدولة العثمانية،التى استمرت منذ عام 1299، فى 11 نوفمبر 1922، فى مؤتمر لوزان، تم الاعتراف بسيادة المجلس الوطنى الأكبر لتركيا على تركيا من قبل الحكومة فى أنقرة.
ولقب حكَّام العثمانيين أنفسهم بالسلطان وهو لقب عربى مشتق من السلطة والقوة، وهو نظام حكم حيث يكون السلطان على رأس الدولة ويتميز بأنه غالباً ما يكون لفترة طويلة وعادة حتى وفاة السلطان وينتقل بالوراثة إلى ولى عهده، استعمل فى العهود الإسلامية لدى السلاجقة والعثمانيين والعمانيين وكذلك اتخذ منه صلاح الدين الأيوبى لقب سلطان مصر.
كذلك لقب سلاطين العثمانيين أنفسهم بلقب "خليفة المسلمين"، ولكن الحقيقة أنهم حصلوا عليه دون حق، بل وأهانوا اللقب المقدس الذى حمله صحابة رسول الله "أبى بكر، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، على بن أبى طالب" رضوان الله عليهم أجمعين.
تستند مشروعية حكم الخليفة عند الفقهاء ورجال العلم إلى شرطية تولى شخص "قُرشي" خلافة النبى فى سياسية المسلمين، وهو شرط انبنى على "حديث" شهير للنبى عليه الصلاة والسلام يقول فيه: "الأئمة من قريش" وهو حديث صحيح، كما له أحاديث أخرى صحيحة تفيد بأن الإمامة/ الخلافة من قريش طالما استطاع الخليفة القرشى أن يقيم الدين مثل حديث: "إن هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد، إلا كبه الله على وجهه، ما أقاموا الدين"، وهم مجموعة أحاديث اعتمد عليها الفقهاء فى القول بإمامة القرشى طالما توافرت له مقومات الحُكم واستطاع إقامة الدين وسياسة الناس به.
وقد أثيرت مسألة قرشية الخليفة فى عهد السلطان والخليفة "سليمان القانوني" (1520-1566) فقام أحد رجال الدولة الكبار فى عهده وهو الصدر الأعظم -رئيس الوزراء- "لطفى باشا" بإصدار فتوى ووضع رسالة فقهية بالعربية بعنوان "خلاص الأمة فى معرفة الأئمة" يناقش فيها مناقشة شرعية أحقية السلاطين العثمانيين بالخلافة ويفند دعاوى من قال بوجوب تعيين خليفة قرشى تحت أى ظرف.
ويستند من يستند إلى عدم أحقية انتقال الخلافة إلى العثمانيين إلى رفض الحدث الذى ذُكر فى بعض كتُب التواريخ والذى يحدثنا عن انتقال الخليفة العباسى "المتوكل" مع السلطان "سليم الأول" إلى إسطنبول بعد سقوط دولة المماليك بالقاهرة، وتنازل الخليفة فى جامع "آيا صوفيا" إلى السلطان سليم عن لقب الخلافة ليصبح سليما أول خليفة من خلفاء بنى عثمان، وهو رفض صحيح تاريخيا فلم يذكر فى أى من كتب التواريخ المعاصرة لدخول السلطان سليم الشام ومصر ولا الكتب التى أتت بعدهم بقرون ذكرا لحادثة تسليم المتوكل الخلافة إلى سليم، بل ظهرت تلك الرواية لأول مرة فى القرن الثامن عشر فى كتابات الدبلوماسى الأرمنى (D'hosson) الذى عمل بالسفارة السويدية فى إسطنبول وهو رجل له عمل هام عن تاريخ الدولة العثمانية بعنوان "الصورة العامة للإمبراطورية العثمانية" طبع بالفرنسية فى باريس.
وبحسب الباحث الإسلامى وليد فكرى، فأنه واقع الأمر أن السلطان عبد الحميد الأول كان آنذاك فى حالة مفاوضات مع الإمبراطورية الروسية، وكانت روسيا تحاول أن تتدخل فى شؤون الدولة العثمانية بادعائها الحق فى فرض الحماية للمسيحيين الأرثوذوكس باعتبار أن القيصر الروسى هو وريث قيصرية بيزنطة الأرثوذوكسية (يدين الروس بمذهب الروم أرثوذوكس كالبيزنطيين)، فحاول السلطان العثمانى رد اللعبة بأن ادعى فى المقابل حقه فى حماية مسلمى شبه جزيرة القرم بصفته-على حد قوله-"أمير المؤمنين وخليفة المسلمين".. وهما صفتان كان بعض المتقربين من السلاطين ينادون السلطان بها نفاقًا (كما يحدث أحيانًا فى زمننا الحاضر من قيام البعض بمحاولة التقرب من هذا الحاكم أو ذاك بتلقيبه بالخليفة أو "سادس الخلفاء الراشدين").. فحاول السلطان عبد الحميد استغلالها لصالحه.. وتلقف أخلافه الكرة فكانوا يستخدمون تلك الورقة لفرض حماية روحية لمناصبهم وسلطاتهم.
بينما يرى الباحث أحمد الفاضل، أن فكرة الخلافة خدمت العثمانيين الذين استفادوا منها كثيراً بأسم توحيد الصفوف فى مواجهة القوى العظمى، ورفع راية الاسلام شكلياً ووفق ما تتطلبه الحاجة وخزينة السلطان، فقد تبدلت العقائد والافكار فى صميم بيت السلطة مراراً. واكبر تلك التحولات هو تقديس ابن عربى فى السلطنة، صاحب نظرية وحدة الوجود، وترميم قبره وبعدها بمئة عام يتم تكفيره وقتل من كان على طريقته الأكبرية.