شهدت العاصمة النمساوية فيينا، مساء أمس الاثنين، حادثا إرهابيا، بعد وقوع 4 قتلى على أثر قيام عدة مسلحين ببنادق فتحوا النار فى ستة مواقع مختلفة بوسط العاصمة فيينا، وقال وزير الداخلية إن الشرطة قتلت أحد المسلحين وما زالت تبحث عن مهاجم واحد على الأقل لا يزال هارباً، وأعلن الوزير أن منفد الهجوم الذى قتل كان من "أنصار" تنظيم "الدولة الإسلامية".
وتعد علاقة النمسا من الإسلام دليلا على التناقض التى شهدته البلد الأوروبى من التعاش إلى المعاداة، ويعيش بالنمسا نصف مليون مسلم يشكلون نحو 6% من سكان البلاد، وكانت من النمسا من أولى البلاد التى اعترفت بالإسلام دينا رسميا على أراضيها بموجب القانون الذى صدر فى الـ 15 من شهر يوليو لعام 1912.
ويذكر المؤرخون أن أول دليل على وجود مسلمين فى النمسا يعود إلى القبائل البدوية من آسيا التى دخلت المنطقة فى سنة 895م، فى أعقاب الفتح العثمانى لإمبراطورية هابسبورغ فى أواخر القرن 15، انتقل المزيد من المسلمين إلى الأراضى التى تشكل النمسا فى العصر الحديث، تم طرد المسلمين بعد سيطرة إمبراطورية هابسبورغ على المنطقة مرة أخرى فى أواخر القرن 17.
كان أكبر عدد من المسلمين تحت السيطرة النمساوية بعد الاحتلال النمساوى المجرى للبوسنة والهرسك فى عام 1878، نظمت النمسا الحريات الدينية للمجتمع الإسلامى عن طريق ما يسمى بـ Islamgesetz (قانون الإسلام) فى عام 1912.
وبحسب الباحثين كان التعامل القانونى للإمبراطورية النمساوية مع المسلمين فى نطاقها دخلت فى 15 إبريل 1909، حيز التنفيذ تشريعات للتنظيم الإدارى للشؤون الدينية الإسلامية، والأوقاف الإسلامية، بالإضافة إلى الشؤون المدرسية، وقد نشرت هذه التشريعات فى الصحيفة القانونية النمساوية الصادرة فى الأول من مايو 1909.
وضمت العاصمة النمساوية فيينا مسجداً فى شارع آلزر قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها. كما عرفت النمسا فرقة إسلامية فى جيشها، واضطلع مفتى الجيش النمساوى بدور الرعاية الدينية للجنود المسلمين، بل إن القوات البوسنية كانت من أبرز الوحدات العسكرية فى الجيش النمساوى، وكانت هذه القوات تضم فى صفوفها بوسنيين من المسلمين فى الغالب، ومن هنا جاءت تسمية شارع "تسفاير بوسنياكن" الكائن فى مدينة غراتس النمساوية، فهذه التسمية تعيد إلى الأذهان الدور البارز الذى عُرفت به القوات البوسنية هذه، وكانت القوات البوسنية فى الجيش النمساوى قد أبلت بلاءً حسناً فى معاركها على الجبهة الإيطالية فى العام 1916، إبان الحرب العالمية الأولى.
وحتى انهيار الإمبراطورية النمساوية، مع نهاية الحرب العالمية الأولى؛ كانت المدارس فى فيينا وسراييفو تقدم للتلاميذ المسلمين الملتحقين بها مواد إسلامية، فعلى سبيل المثال كان من بين المطبوعات المدرسية المقررة فى هذا الشأن "سيرة ابن هشام"، وقاموس للكلمات العربية، وكتاب عن الأدب العربى، فيما عكف المستشرق المجرى إيغناز غولدتسيهر على إعداد كتاب موجز عن تاريخ الأدب العربى للمدارس الإعدادية والثانوية البوسنية.
لكن ومنذ وصول الحزبين للحكم عبر ائتلاف حكومى تشكل أواخر 2017، اهتز بعمق القبول السابق للإسلام فى البلاد، وأطلق العنان لاستهداف المسلمين من خلال قوانين ومبادرات جديدة، مثل حظر الحجاب فى رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، ومحاولات لإغلاق مساجدن غير أن التطور اللافت كان دخول أجهزة الأمن النمساوية، لاسيما جهاز الأمن التابع لوزارة الداخلية، للمرة الأولى، على خط الخطاب المعادى للمسلمين.
وفى السابق كان يُنظر إلى منظمة "المجتمع الإسلامى فى النمسا"، وهى المنظمة الإسلامية الرئيسية فى البلاد، كشريك ضد التطرف، إلا أن ذلك بدا أيضا أنه فى طريقه للتغيّر بشكل كبير، وبعد تولى الائتلاف اليمينى مقاليد الحكم، أغلق مكتب حماية الدستور (الاسم الرسمى لوكالة الأمن) هذا الفصل من التعاون مع "المجتمع الإسلامي" واعتمد أجندة اليمين لتجريم الأطراف المسلمة الفاعلة.