"من روما إلى لندن" شتات يهود العصور الوسطى.. هل صدر "وعد بلفور" تعويضا لهم؟

تمر اليوم الذكرى الـ626 على قرار الملك شارل السادس بنفي اليهود من فرنسا، فى سلسلة طرد حدثت لليهود خلال العصور الوسطى، حيث طرد اليهود من عدة دول أوروبية، عرفت بسنوات الشتات، ويتصادف أنه بعد تلك السنوات بنحو 500 عام كاملة يصدر وعد بلفور فى نوفمبر 1917، لإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين. وعد بلفور صدر خوفا من الهجرات اليهودية إلى بريطانيا، وتوجس الحكومة البريطانية آنذاك من تأثير ذلك على الاقتصاد وفرص العمل بالنسبة للشباب الإنجليزى، لكن أيضا ينظر البعض أنه كان جزء من محاولة الدول الأوروبية من تعويض اليهود عما تعرضون له فى سنوات الشتات، لكن هذا التعويض جاء على حساب العرب وخاصة الشعب الفلسطينى، فكان وعد من لا يملك لم لا يستحق. روما أصدر البابا بولس الرابع قراره المعروف باسم "Cum nimis absurdum" والذى أدان فيه اليهود بقتل المسيح يسوع بن مريم رسميا، حيث قال فى كلمات المرسوم الأولى: "بما أنه من العبث وغير المريح تمامًا أن اليهود، الذين أدانهم الله من خلال خطأهم الخاص إلى العبودية الأبدية"، وفى أعقاب ذلك فر الكثير من اليهود من الولايات الپاپوية. وألغى المرسوم جميع حقوق الجالية اليهودية وفرض قيودًا دينية واقتصادية على اليهود فى الولايات البابوية، وجدد التشريعات المعادية لليهود وتعرض اليهود لمختلف التدهور والقيود المفروضة على حريتهم الشخصية. وبناء على المرسوم البابوى، أنشأ الحى اليهودى الرومانى وطلب من يهود روما، الذين كانوا موجودين كمجتمع منذ العصور المسيحية وكان عددهم حوالى 2000 فى ذلك الوقت، أن يعيشوا فيه، وكان الحى اليهودى عبارة عن حى مسور بثلاثة بوابات تم إغلاقها ليلاً. وبناء على المرسوم أيضا طلب من الذكور اليهود ارتداء قبعة صفراء مدببة، والإناث اليهودى منديل أصفر، وطُلب من اليهود حضور الخطب الكاثوليكية الإجبارية على الشعب اليهودى، كما أخضع المرسوم اليهود لقيود أخرى مختلفة مثل حظر ملكية الممتلكات وممارسة الطب بين المسيحيين، ولم يُسمح لليهود بممارسة الأعمال غير الماهرة إلا كرجال خارقين أو تجار سلبيين أو تجار أسماك. بريطانيا أصدر الملك إدوارد الأول قرارًا بطرد كل اليهود من إنجلترا، فى 31 أغسطس من عام 1290م، وهو القرار الذى استمرت فعاليته طوال العهود الوسطى، حتى تم إلغاؤه بعد أكثر من 350 عامًا، وبالتحديد فى 1656، إذ لم يكن القرار استثنائيًا بل حصيلة أكثر من 200 سنة من سوء المعاملة. القرار جاء على خلفية ازدياد الشعور بالكراهية ضد اليهود فى إنجلترا فى القرن الثالث عشر، ويعود ذلك كون اليهود كانوا يعيشون بطريقة تختلف عن الطريقة التى كان يعيش بها عامة الناس مزارعين وتجار وصناع، فكانوا يسيرون فى شوارع مدينة لنكولن القديمة بغطرسة بغيضة إلى النفوس جعلت الناس يتجنبونهم ويكرهونهم فى آن واحد. اتجاه عدد كبير من عامة الناس ورؤساء الأديرة والنبلاء والفرسان وحتى التجار للاستدانة منهم الأموال، وكان اليهود لا يقرضون إلا بفوائد باهظة فكان سكان مدينة لنكولن يخفون تحت مظهرهم العادى الهادئ شعورا عميقا من الكراهية والثورة المكبوتة على أولئك الأغراب الذين كانوا يأخذون منهم الفوائد بنسبة 20 إلى 100%. فرنسا فى 3 نوفمبر من عام 1394 أمر الملك شارل السادس، حاكم فرنسا، بنفى جميع اليهود من البلاد، وهو القرار الذى استمرت فعاليته طوال العهود الوسطى، وجاء بعد نحو قرن من الزمان من قرار الملك إدوارد الأول ملك بريطانيا بطرد كل اليهود من إنجلترا، فى 31 أغسطس من عام 1290، ليكون قرار الملك الفرنسى استكمالا لمسلسل شتات اليهود فى أوروبا خلال فترة القرون الوسطى. بحسب كتاب "إظهار الحق: المجلد الرابع" لـ رحمة الله الهندى، فإنه خلال تلك الفترة كانت انتشرت المعاملة السيئة، وممارسة كل أنواع الظلم المجتمعى، من قبل المسيحيين فى فرنسا، نحو اليهود، حتى إنه فى إحدى الأقاليم الفرنسية، كانوا يلطمون وجوه اليهود فى عيد الفصح، كما كانوا يرمون الأهالى اليهود بالحجارة. ويوضح الكتاب أن سلاطين فرنسا المتعاقبين، دبروا أمرا فى حق اليهود، حيث كانوا يتركون اليهود إلى أن يصيروا متمولين بالكسب والتجارة، ثم يسلبون أموالهم، وبلغ هذا الظلم لأجل الطمع غايته، وعندما صار فيليب أغسطس ملكا على البلاد، أخذ أولا الخمس من ديون اليهود التى كانت على المسيحيين، ثم أبرأ الباقى ذمة المسيحيين، وما أعطى اليهود شئ، قبل يطردهم من مملكته. وتذكرالمراجع التاريخية، التى استند إليها المؤلف، إلى أن عدد اليهود الذين أخرجوا لن يقل عن أكثر من 70 ألف منزل، بجانب قتل الكثير منهم ونهب كثير منهم، فيما نجا القليل وهم من تنصروا، مشيرا إلى آخرين أهلكوا سواء بالإغراق فى البحر أو بالإحراق بالنار، وقتل غير المحصورين منهم فى الجهاد المقدس. الأندلس صدرمرسوم فى مارس عام 1492 يحمل اسم "مرسوم الحمراء" أو قرار طرد اليهود الذين رفضوا أن يتحولوا إلى المسيحية من قشتالة وأراغون، وسلسلة من المراسيم، التى فرضت على المسلمين فى إسبانيا التحول الدينى الإجبارى. فبحسب دراسة نشرت بعنوان "أسرار اليهود المتنصرين فى الأندلس" للدكتورة هدى درويش فإن الملك فريناند وزوجته الملكة إيزبيلا، ملوك قشتالة وليون وأراغون، من الكاثوليك المتشددين للمسيحية، وبسبب بغضهم لليهود بسبب موقفهم من المسيح فقد أرادا وضع نهاية لتواجد اليهود فى الأندلس، فأمروا بضرورة اعتناق اليهود هناك للمسيحية، وقررا نفى من يرفض تنفيذ الأمر، ووقع الملكان سالفا الذكر مرسوما ملكيا فى 31 مارس ينص على أن جميع اليهود الموجودين فى البلاد غير المعمدين، أيا كانت أعمارهم أو أحوالهم، عليهم أن يتركوا الأندلس، فى موعد أقصاه 31 يوليو 1492، ولا يسمح لهم بالعودة، ومن يخالف ذلك يكون عقوبته الإعدام، كما أن عليهم أن يتخلصوا من أمتعتهم خلال هذه المدة، ولهم أن يأخذوا معهم الأمتعة المنقولة وصكوك المعاملات دون النقد من ذهب وفضة. النمسا وعانى اليهود خلال العصور الوسطى وما بعدها من شتات فى أوروبا بسبب صدور أكثر من قرار بطردهم من بلدان مثل فرنسا وإيطاليا وإنجلترا والأندلس "إسبانيا"، لكن كيف كان وضعهم فى النمسا. بحسب المجلد الرابع من موسوعة "الجماعات اليهودية: تواريخ" للمفكر الدكتور عبد الوهاب المسيرى، فإن استقرار الجماعات اليهودية فى النمسا يعود إلى أيام الغزو الرومانى، ومع العصور الوسطى أصبح تاريخ يهود النمسا هو تاريخ يهود فيينا، وتحدد وضع اليهود بوصفهم أقنان بلاط وجماعة وظيفية وسيطة فى تلك الآونة شأنهم شأن كل الجماعات اليهودية فى أوروبا، وأصدر الدوق فريدريك الثانى حاكم النمسا آنذاك عام 1244 م، ميثاقا يمنح اليهود مزايا ويحدد حقوقهم كيهود بلاط، وأصبح هذا الميثاق نموذجا للمواثيق المماثلة فى المجر وبوهيميا وبولندا. وفى عام 1356، أصدر ما يعرف بالفرمان الذهبى، الذى وضع اليهود تحت حماية الحكام الإمبرطوريين المنتخبين، فأصبح لهم حق فرض الضرائب على أعضاء الجماعات اليهودية وحمايتهم أو حتى طردهم دون تدخل الإمبرطور، وبدء منذ عام 1421 طرد اليهود من النمساء، ولكنهم لم يختفوا تماما.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;