عاشت الجماعة المصرية منذ القدم على قلب رجل واحد، باحثة عن الوحدة ومنطلقة من فكرة مفادها "الوطن الواحد"، ولو قرأنا منها كتاب "المواطنة المصرية.. حركة المحكومين نحو المساواة والمشاركة" لـ وليم سليمان قلادة، نجد أشياء جميلة منها ما حدث بين بنيامين البطرك وعمرو بن العاص، والتى وقعت فى زمن فتح مصر.
يقول الكتاب تحت عنوان "اللقاء بين الدينين على أرض مصر": يحتل العام 20 هجرية 640 ميلادية فى مسار الحركة الدستورية المصرية موقعا مهما، ففى هذا العام جرى الفتح العربى الإسلامى لمصر، ومنذ هذا التاريخ بدأ وضع جديد، هو التعدد الدينى الذى سيصبح مع مرور القت على مستوى شعبى واسع، وسيكون له أبلغ الأثر فى تطور الحركة الدستورية.
وقد حفظ لنا كل من عبد الرحمن بن الحكم، مؤرخ الفتح العربي لمصر، وساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين، ومؤرخ بطارقة الكنيسة القبطية حفظ الإثنان فى كتابيهما وقائع اللقاء بين عمرو بن العاص والبطريرك بنيامين، ويمكن القول بأن روح هذا اللقاء تمثل نقطة الانطلاق فى مسار العلاقات بين أتباع الدينين.
الراوى الأول لوقائع هذا اللقاء، هو ابن عبد الحكم القرشى المصرى، يقول كان بالإسكندرية أسقف للقبط يقال له "أبو بنيامين" فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا تكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقرض، ويأمرهم بتلقى عمرو.
ويروى ساويرس، الذي كتب بعد ابن عبد الحكم بحوالي قرنين من الزمان، أن "سانوتيوس" الذي كان من الرؤساء وقت إذن وتولى إدارة شئون الكنيسة مدة اختفاء البطريرك بنيامين، عرَّف (عمرو) أمر الأب المجاهد بنيامين البطريرك، وأنه هارب من الروم خوفا منهم، فكتب عمرو بن العاص إلى أعمال مصر كتابا يقول فيه "الموضع الذي فيه بنيامين بطرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلامة من الله، فليحضر آمنا مطمئنا، ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته" فلما سمع القديس بنيامين هذا، عاد إلى الإسكندرية بفرح عظيم، بعد غيبة ثلاث عشرة سنة، فلما ظهر فرح الشعب وكل المدينة بمجيئه.
وذهب سانوتيوس وأعلم عمرو بوصوله، حين إذن أمر بإحضاره بكرامة وإعزاز ومحبة فلما رآه أكرمه، وقال لأصحابه "أن فى جميع الكور التى ملكناها إلى الآن ما رأيت رجل الله يشبه هذا" وكان الأب بنيامين حسن المنظر جدا، جيد الكلام بسكون ووقار، ثم التفت عمرو إليه وقال له "جميع بيعك ورجالك اضبطهم ودبر أحوالهم وانصرف من عنده مكرما مبجلا".