نقرأ معا كتاب "إيران والإخوان.. الشيعة القطبيون" والصادر عن مركز المسبار، والذى يشارك فيه عدد من الباحثين، وفيه تتقاطع الحركات الدينية الثورية بطرفيها، السُنى والشيعى على مستوى الأداء والأهداف، فثمة شبكة من المفاهيم والآليات الضابطة يلجأ إليها هؤلاء الحركيون، ترتبط بتوظيف الدين فى المجال السياسى، واستغلال التحولات السياسية والاجتماعية وأزمنة الاضطراب لتنفيذ المشروعات، ويتضح ذلك لدى الإخوان المسلمين والتنظيم الحركى لولاية الفقيه فى إيران.
يواكب الكتاب السياقات التاريخية والأطر المفاهيمية والنصوص التأسيسية والتقاطعات الأيديولوجية التى تستند إليها أكبر كتلتين حركيتين، أى: "الإخوان الإرهابية" فى مصر و"الخمينية" فى إيران.
إن الفوارق الشكلية بين الإسلام السياسى السُنّى والإسلام السياسى الشيعى ارتبطت - إلى حد ما - بالتحولات البنيوية، تلاحظ إحدى الدراسات "أن أقطاب الحركة الإسلامية الإيرانية تأثروا بموروث الإخوان الأول، واعتبروا تراث سيد قطب وحسن البنا وأبى الأعلى المودودي، بمثابة مساحة تنظيمية محضة".
إن الاختلاف بين ولاية الفقيه والإخوان الإرهابية تحدده - غالباً - المسارات العقائدية، لا سيما بعد "أحداث عام 2011"، التى رأت فيها إيران "صحوة إسلامية".
العلاقة المباشرة بين الأيديولوجيا الإسلاموية ومسارات التغيير الجارية فى الإقليم بدءاً من عام 2011 أربكت الإخوانية والخمينية معاً، فى الملفات الإقليمية المعقدة، وتحديداً الأزمة السورية، وبروز الدور التركى، إلا أن وشائج التعاون لا تزال قائمة، خصوصاً أنّ عام 2016 شهد أكثر من فاعلية فى طهران احتفت بسيد قطب، الأمر الذى يدفعنا إلى فتح الملف للكشف عن سر العلاقة والتنقيب عن المشتركات الأكثر تأثيراً.
إن التقارب التاريخى بين الإخوان الإرهابية والحركة الإسلامية الشيعية يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، لكنه بدأ عملياً فى بداية الخمسينيات؛ وتعتبر هذه المرحلة - كما تبين إحدى الدراسات - الفترة الذهبية لعلاقة الإخوان بإيران، وهى فترة تمتد من 1953 بلقاء نواب صفوى مع سيد قطب وأعضاء الإخوان فى مصر، بالإضافة إلى مرشدى الإخوان فى سوريا والأردن بين عامى 1954 و1979.
ومن المفيد الإشارة إلى أن المرحلة التأسيسية بين الإخوان وإيران شهدت محاولات إخوانية لإنقاذ زعيم حركة "فدائيان إسلام" نواب صفوي، الذى عدته الجماعة شهيداً، وحاولت إنقاذه من الإعدام من خلال تكوين خليّة خاصة تهدف لاختطافه من السجن.
إن التلاقى بين الحركتين الإسلاميتين فى بدايات التأسيس كان متوقعاً فى ظل تشابه الأهداف وتطابقها، ولاحقاً ستختلف طبيعة العلاقة بينهما، لتتحول إلى نوع من البراغماتية السياسية.
وفى الحقبة الراهنة تتحكم بالعلاقة بين الإخوان وإيران حالة من المد والجذر، ويبدو أن التحولات السياسية أثرت تأثيراً مباشراً فى سلم الأولويات لدى الطرفين، ولكن التباعد فى المصالح لم يؤدِ إلى قطيعة نهائية.
لقد سعت إيران إلى تجسير علاقاتها مع العديد من الحركات الإسلامية الجهادية وفى طليعتها «حركة المقاومة الإسلامية»؛ فبعد أقل من ثلاث سنوات على تأسيس حماس، كان اتصالها الأول المعلن مع إيران عام 1990، فى مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية، ثم تطورت العلاقات مع المؤتمر الثانى الذى عُقِد فى 1991، وقد تُوجت هذه العلاقة بفتح مكتب تمثيلى دائم لحماس فى إيران. راهناً، تلعب حماس لعبة مزدوجة: المصالح العسكرية تدفعها نحو إيران فى حين تدفعها بعض مصالحها السياسية نحو مصر، إضافة إلى سعيها لتحسين علاقتها مع دول الخليج العربي، لكن بطريقة لا تضر بروابطها مع طهران.
يتشابه الإسلاميون الحركيون بنزعتهم العالمية وثوريتهم الانقلابية وعدم اعترافهم بالحدود السيادية للدول وتطبيق القانون. وتتصف حركات الإسلام السياسى السنى والشيعى بطابعها الشمولي، وتعتبر الشمولية أحد أبرز محددات هويتها. ذكر حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس أن دعوة الإخوان «دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية»، وفى الوصية الخالدة أشار الخمينى إلى أن «الإسلام والحكومة الإسلامية ظاهرة إلهية يؤمِّن العمل بها سعادة أبنائها فى الدنيا والآخرة بأفضل وجه».
وهذا يعنى أن الشمولية تجمع بين الأدوار العقائدية والاجتماعية والسياسية، وأن وظيفة الولى الفقيه هى وظيفة مطلقة لا تنحصر بالجانب الدينى فقط، بل تتجاوزه لتصل إلى كل جوانب الحياة.
إن العلاقة بين إيران الخمينية والحركات الإسلامية لا تنحصر بجماعة الإخوان أو حماس فحسب، بل يدور الحديث عن علاقة خفية مع تنظيم القاعدة. إذا صحت هذه الفرضية، فما العوامل التى دفعت طهران إلى تأطير هذه العلاقة؟ وما الموقف الفكرى والعقائدى الذى يتبناه تنظيم القاعدة تجاه إيران والطائفة الشيعية؟ يقول زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري: «موقفى من عوام الشيعة هو موقف علماء أهل السنة، وهو أنهم معذورون بجهلهم. أما من شارك منهم زعماءهم فى التعاون مع الصليبيين والاعتداء على المسلمين، فحكمهم حينئذٍ حكم الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام، أما عوامهم الذين لم يشاركوا فى العدوان على المسلمين، ولم يقاتلوا تحت لواء الصليبية العالمية، فهؤلاء سبيلنا معهم الدعوة وكشف الحقائق، وتبيين مدى الجرائم التى ارتكبها زعماؤهم ضد الإسلام والمسلمين".
يتوازى الإخوان كتنظيم وإيران كدولة ولاية الفقيه، فى الكثير من الملفات الأساسية، وفى حين تضغط إكراهات السياسة على الفريقين لإخفاء العلاقات العلنية موقتاً، فإن المؤتمرات والفعاليات بينهما تبرز كدليل واضح على قوة الروابط، وهذا يجعل دراسات الباحثين أمام نهايات مفتوحة، تأهباً لمواكبة الجديد.