الاحتجاج وحركاته وأنماطه فى عالمنا العربى هو أمر ضرورى فرضته الظروف السياسية أحادية الرؤية طوال الوقت، تتغير صوره لكنه دائما موجود، فمصر مثلا عاشت منذ قيام ثورة يوليو، وهى خائفة من انتفاضة سياسية يقودها تنظيم سرى أو حزب سياسى علنى، أو جبهة أحزاب، وظل هذا الخطر قائما بصورة محدودة فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وتزايد فى عهد السادات، واختفى تقريبا فى أواخر عهد الرئيس مبارك، بعد أن تراجع تأثير القوى والتنظيمات السياسية لصالح صور جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية غير المنظمة والعشوائية فى بعض الأحيان، هذا ما يناقشه كتاب " الحركات الاحتجاجية فى الوطن العربى" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، والذي يتناول حركات الاحتجاج فى 7دول عربية هى مصر والمغرب ولبنان والبحرين والجزائر وسوريا والأردن، بمشاركة عدد من الباحثين.
وفيما يتعلق بمصر يرى الكتاب أنها شهدت موجات متصاعدة من الاحتجاجات ذات الطابع الفئوى، وشملت شرائح اجتماعية مختلفة طالت فى بعض الأحيان فئات كانت بعيدة تماما عن ثقافة الاحتجاج، كالموظفين، وعلى رأسهم موظفو الضرائب العقارية، نظرا إلى كون ثقافة الاحتجاج الاجتماعى والسياسى فى مصر انحصرت عادة فى الطلاب والعمال إلى أن جاءت السنوات الأخيرة وأدخلت قطاعات من البيروقراطية المصرية فى مسار هذه الاحتجاجات.
وأضاف الكتاب أن مصر عرفت نمطين من الاحتجاجات، الأول هو الاحتجاجات السياسية التى بدأت مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 وانتقلت إلى قضايا الداخل مع تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" فى عام 2004، والتى لا يمكن إنكار أن تأسيسها كان له أثر واضح فى رفع سقف المطالب ونشر ثقافة الاحتجاج. ورغم أن "كفاية" ومثيلاتها ذوات بعد سياسى عام وبحت، إلا أن قدرتها على حشد الجماهير اتسمت بالمحدودية بصورة لم تتجاوز المئات فى أوفر التظاهرات حظا.
ويضيف الكتاب أنه لم يكن مفاجئا أن تشهد مصر موجة جديدة، أو ما يطلق عليه "الجيل الثانى" من الاحتجاجات التى كانت هذه المرة احتجاجات اجتماعية وفئوية، وجزئية الحيز والمطالب، حيث تم تبنى فكرة الاحتجاجات بوسائلها المختلفة للتعبير عن المطالب الحياتية الملحة والمباشرة التى أصبحت ضرورية أكثر مع تنامى عمليات خصخصة القطاع العام والخدمات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم.
وشرح الكتاب أنه لم يكن ميدان هذه الاحتجاجات الجديدة هو الشارع، وإنما محل العمل للتعبير عن تضرر العاملين من التعسف أو بخس الحقوق الواقع عليهم من رؤسائهم فى العمل، وهكذا تدحرجت كرة الثلج الاجتماعية من مصنع هنا إلى مصنع هناك، حتى أصبحت تشكل ظاهرة عامة تستحق التوقف أمامها مطولا، فالاحتجاجات العمالية تراوحت بين الاعتصام والتظاهر والتجمهر، وصولا إلى الإضراب الكلى أو الجزئى أو التباطؤ، وبدأت من المصانع، خاصة مصانع الغزل والنسيج، وواصلت تغلغلها فى القطاعات الإنتاجية والخدمية كافة، وصولا إلى قطاعى الصحة والتعليم، ولم تعد بذلك قاصرة على العمال فقط، وإنما امتدت لتشمل الموظفين والمهنيين، حيث كان لكل من هذه القطاعات يوم أو أيام من الاحتجاجات المطلبية.. وانتهى الأمر وصولا إلى ميدان التحرير وثورة 25 يناير 2011.