نقرأ معا كتاب " الفكر الاستخباراتى الإسلامى.. دراسة توثيقية بمنظور معاصر" تأليف عبد العزيز بن عبدالله الأسمرى.
ترتبط الاستخبارات بالسياسة ارتباطا وثيقا، فمنذ فجر التاريخ والأنشطة الاستخبارية جزء لا يتجزأ من فن الحكم وكغيرهم من شعوب الأرض فقد برع العرب الأوائل فى ممارستها واستخدامهم لها، فاستطاعوا من خلالها حماية كياناتهم والحفاظ على ديمومة بقائهم عبر العصور.
وقبل ظهور الإسلام واكب العرب تطورات الأحداث حولهم وسخروا تلك الأنشطة لحماية حدود أوطانهم، بل واستفادوا منها داخليا لتوفير الأمن واحتواء المنافسين لزعاماتهم ودرء المخاطر المحدقة بمواردهم الاقتصادية. وساعدت الأنشطة الاستخبارية مستخدميها فى جمع المعلومات اللازمة وتوفيرها فى الوقت المناسب لاتخاذ القرارات السليمة فى ضوئها. وقد شملت تلك الأنشطة مجموعة واسعة من الأعمال السرية والعلنية التى وظفت لتحقيق أهدافهم المرحلية والاستراتيجية عبر العصور المتتالية وصولا إلى وقتنا الحاضر حتى باتت تلك الأنشطة مكونا عضويا لآليات الأجهزة الاستخبارية الحديثة.
بمنظور معاصر يوظف الكاتب العناصر الأربعة المكونة للمفهوم الاستخبارى الحديث لتتبع الأنشطة الاستخبارية فى عصور ما قبل الإسلام كأيام العرب ثم ما تلاها فى الفترة النبوية، حيث شنت خلالها معارك وغزوات عدة ونفذت فيها عمليات سرية متنوعة بدوافع مختلفة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. إن أثر الدين الإسلامى فى تقنين تلك الممارسات الاستخبارية وتشريعها، واضح وجلى فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
لقد تركت العناصر الأربعة الاستخبارية: الجمع السري، والتحليل والتوزيع، والاستخبارات المضادة، والعمليات السرية، أثرها فى المصادر القديمة من كتب التراث العربى والإسلامى، مكونة بذلك نواة المفهوم الاستخبارى الإسلامى، كما أن ما صاحبها من فنون استخبارية: كالتشفير والتمويه والإخفاء وأساليب التواصل والالتزام بالسرية واستخدام البيوت الآمنة وغيرها من الفنون الاستخبارية، موثقة فى بطون الكتب التراثية.
هذا الكتاب يسعى ليس فقط، لتبديد الأسطورة التى طالما رددها البعض، بأن العرب استنسخوا فكرهم الاستخبارى عن الحضارات المجاورة لهم، بل ليؤكد أيضا أن هذه الأنشطة ليست اختراعا حديثا تنفرد به حضارة ما عن سواها، فهذه المفاهيم العربية ليست إلا امتدادا لفكر عريق من تراث أمة مجيدة جوهرها الحاضر هو صدى لماضيها القديم.