على محمود طه يرثى نفسه: قد راعنى موتك يا شاعرى

تمر اليوم ذكرى رحيل الشاعر على محمود طه الذى ولد فى 3 أغسطس 1901 بالمنصورة، وهو من أعلام مدرسة أبولو التى أرست أسس الرومانسية فى الشعر العربي، و صدر ديوانه الأول: "الملاح التائه" فى عام 1934، ونشر بعده عدة قصائد فى الرثائيات منها فلسطين وسيد درويش والملك فيصل الأول وحافظ إبراهيم وأحمد شوقى وعدلى يكن وأمين المعلوف وشكيب أرسلان وغيرهم. لحن وغنى له الموسيقار محمد عبد الوهاب عددًا من قصائده مثل : "الجندول"، "كليوباترة"، "فلسطين". ويضم ديوان على محمود طه عدة مجموعات شعرية هي: "الملاح التائه"، "ليالى الملاح التائه"، "أفراح الوادي"، "أرواح وأشباح"، "زهر وخمر"، "الشوق العائد"، وتوفى فى 17 نوفمبر 1949 ودفن بمسقط رأسه فى مدينة المنصورة. يقول على محمود طه فيى قصيدته " قبر شاعر": رفت عليه مورقات الغصون وحفه العشب بنوَّارِهِ ذلك قبرٌ لم تَشِدْهُ المنونْ بل شادهُ الشعر بآثارِهِ أقامه من لبنات الفنونْ وزانهُ المجدُ بأحجارِهِ ألقى به الشاعرُ عبءَ الشجونْ وأودعَ القلبَ بأسرارِهِ ........ وجاورتْهُ نخلةٌ باسِقَةْ تجثمُ فى الوادى إلى جنبِهِ كأنها الثاكلةُ الوامِقَةْ تقضى مدى العمر إلى قربِهِ تئنُّ فيها النسمةُ الخافِقَةْ كأنَّما تخفقُ عن قلبِهِ وتُرسلُ الأغنيةَ الشائِقَةْ قمريةٌ ظلَّتْ على حبِّهِ ...... ويقبلُ الفجرُ الرقيقُ الإهابْ يحنو على القبر بأضوَائِهِ كأنَّما ينْشُدُ تحت الترابْ لؤلؤةً تُزرى بلألَائِهِ استلَّ منها الموتُ ذاك الشهابْ غيرَ شعاعٍ، فى الدجى تَائِهِ يَظَلُّ يهفو فوق تلك الشعابْ يطوف باليَنبوع من مَائِهِ .............. ويذهبُ النُّورُ ويأتى الظلَامْ وتبزغ الأنجمُ فى نسْقِهِ حيرى تحوم الليلَ كالمستهَامْ أسهرهُ الثائرُ من شوْقِهِ تبحثُ عن نجمٍ بتلك الرجَامْ هوتْ به الأقدارُ عن أفْقِهِ أخٌ لها فى الأرضِ ودَّ المقَامْ وآثر الغربَ فى شرْقِهِ ............. ويُطلقُ الطيرُ نشيد الصبَاحْ بنغمةٍ تصدر عن حزْنِهِ يَمُدُّ فوقَ القبرِ منه الجنَاحْ ويرسل المنقارَ فى ركْنِهِ أفضى إلى الراقدِ فيه وبَاحْ بأنَّهُ الملهمُ من فَنِّهِ فمن قوافيهِ استمدَّ النواحْ ومن أغانيه صدى لحْنِهِ ............. وحين تمضى نسماتُ الخرِيفْ وتملأ الأرضَ رياحُ الشِّتَاءْ ويقبلُ الليلُ الدُّجى المخِيفْ فلا ترى نجمًا ينيرُ السَّمَاءْ هناك لا غصنَ عليه ورِيفْ يهفو، ولا طيرٌ يثيرُ الْغِنَاءْ يظللُ الأرضَ الظلامُ الكثيفْ كأنما تُمسى بوادى الْفَنَاءْ ............ يا شاعرًا ما جمعتنى بِهِ كواكبُ الليل وشمسُ النهَارْ لكنَّه الشرقُ وفى حبِّهِ ينأى بنا الشوقُ وتدنو الديَارْ سكبتَ من شجوكَ فى قلْبِهِ ومن مآقيكَ الدموعَ الغزَارْ فودَّ أنْ لو نمت فى ترْبِهِ ليشفَى النفسَ بهذا الجوَارْ .................. صوَّرَ لى القبرَ الذى تنزلُ تَخَيُّلُ الشعرِ ووحى الشعُورْ فجئتُ للقبر بما يجملُ من صُوَرِ الدنيا الفَتونِ الغَرورْ قل لى بحقِّ الموتِ ما يفعلُ بالشاعرِ الموتُ وهذى القبورْ؟ وهل وراءَ الموتِ ما نجهلُ من عالم الرُّجعى ويوم النشورْ؟ ......... قد راعنى موتُكَ، يا شاعرى فى ميعةِ العمرِ وفجرِ الشبابْ وهزَّنى ما فاضَ من خاطرِ كان ينابيعَ البيانِ العذابْ ونفثاتُ القلم الساحرِ فى جوبكَ الأفق وطى السحابْ ووقفه بالكوكبِ الحائرِ رأى بساطَ الريح يدنو فهابْ ............. لكنَّهُ شعركَ لمَّا يَزَلْ يُردِّدُ الكونُ أناشيدَهُ شعرٌ كصوبِ الغيثِ أنَّى نزَلْ أرقصَ فى الروض أماليدَهُ وعلَّم الطيرَ الهوى والغزَلْ فأسمعَ الزهرَ أغاريدَهُ وَغَنَّتِ الريحُ به فى الْجَبَلْ فحركتْ منهُ جلاميدَهُ ........... يا قبرُ لم تُبصركَ عينى وَلَا رأتك إلَّا فى ثنايا الخيَالْ ملأتَ بالروعِ فؤادًا خَلَا إلَّا من الحُبِّ ونورِ الجمَالْ أوحيتَ لى سرَّ الرَّدَى فانجلى عن عينى الشكُّ وليلُ الضلَالْ غدًا ستطوى القلب أيدى البِلَى ويقنصُ النجمَ عقابُ الليَالْ ............ وهكذا تمضى ليالى الحيَاهْ والقبرُ ما زالَ على حَالِهِ دنيا من الوهمِ ودهرٌ ترَاهْ يُغرِّرُ القلبَ بآمَالِهِ يسخرُ من مبتسمات الشفَاهْ وجامدِ الدمع وسَيَّالِهِ دهرٌ على العالم دارتْ رحَاهْ فلم تَدَعْ رسمًا لأطلَالِهِ




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;